قالت “لجنة العدالة” إن مصر شهدت في الربع الأول من العام 2023، ازدياد ملامح الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تواجه مصر؛ والتي لم تتوان الأجهزة الأمنية عن اختيار الحل الأمني في التعامل معها، فاستمرت باستهداف المواطنين والمعارضين وأصحاب الرأي، وملاحقة العمال الذين نظموا إضرابات عمالية احتجاجًا على تدني الأجور، تزامنًا مع التحضير لجلسات الحوار الوطني المُعلن عنه منذ أبريل 2022، وأيضًا بدأ النقاش العام حول الانتخابات الرئاسية القادمة في 2024، وإجراء انتخابات نقابة الصحفيين.
– 1415 انتهاكًا خلال 3 شهور:
جاء ذلك في التقرير الربع سنوي الأول لعام 2023 للمؤسسة، من خلال مشروعها “العدالة داخل مراكز الاحتجاز“، والذي رصد فيه فريق “لجنة العدالة” 1415 انتهاكًا، توزعت بين؛ الانتهاكات ضمن الحرمان من الحرية تعسفيًا التي كانت لها النسبة الأعلى من الانتهاكات، وهي 89 بالمئة تقريبًا من إجمالي الانتهاكات المرصودة بواقع 1273 انتهاكًا، ثم الانتهاكات ضمن الاختفاء القسري بواقع 65 انتهاكًا مرصودًا، و50 انتهاكًا مرصودًا ضمن سوء أوضاع الاحتجاز – بما فيها الحرمان المُتعمد من الرعاية الصحية -، و16 انتهاكًا ضمن جرائم التعذيب، و10 وقائع ضمن الوفاة داخل مقار الاحتجاز.
كما شملت أعمال الرصد 12 محافظة مصرية، تصدرتهم محافظة القاهرة بالنسبة الأعلى من الانتهاكات؛ حيث تم رصد وقوع 962 انتهاكًا بها. وتصدرت الأقسام والمراكز الشرطية قائمة المقار التي وقعت بها الانتهاكات المرصودة بواقع 174 انتهاكًا مرصودًا. كما كان نصيب الضحايا من أصحاب الضحايا النشطاء وأعضاء الأحزاب السياسية، وكذلك المهندسين هو النصيب الأعلى من الانتهاكات بواقع 15 انتهاكًا مرصودًا. والضحايا قيد الحبس الاحتياطي والماثلين أمام نيابة أمن الدولة العليا كان نصيبهم هو الأعلى من إجمالي الانتهاكات المرصودة.
– أزمة الملف الحقوقي لم تنته رغم الوعود الرئاسية:
ورأت “لجنة العدالة” في تقريرها أن أزمة الملف الحقوقي المصري، رغم وعود العام السابق المتمثلة في الحوار الوطني، وإعادة تفعيل لجنة العفو الرئاسي؛ لم تنته، فاتخذت الجهات الأمنية نهجها المعتاد في التعامل مع المواطنين المتضررين من الأوضاع الاقتصادية باستخدام الحل الأمني العنيف، حيث جري استهداف المواطنين وصناع المحتوي بسبب تعبيرهم عن رأيهم وشكواهم من الوضع الاقتصادي والغلاء المعيشي، حيث تم القبض على 3 من صناع المحتوى بسبب نشرهم مقاطع ساخرة عن الأوضاع العامة، كما ألقت قوات الأمن القبض على 9 من عمال شركة “كريازي”، وقررت النيابة حبسهم لمدة 15 يومًا بتهم التظاهر من دون تصريح والدعوة للإضراب لتعطيل سير العمل، قبل أن يتم الإفراج عنهم لاحقًا.
– أحكام بالإعدام والمؤبد:
وعلى صعيد المستجدات القضائية، أصدرت المحاكم المصرية خلال فترة التقرير، أحكامًا تراوحت بين النهائية والأولية بالإعدام والمؤبد والمشدد على متهمين في قضايا ذات طابع سياسي، فصدرت أحكام مشددة تراوحت بين 15 عامًا لـ 5 أعوام ضد محامين وحقوقيين في قضية “التنسيقية“، كما صدرت أحكام بالمؤبد ضد 39 متهمًا في قضية “الجوكر“، إلى جانب السجن المشدد لمدد تتراوح بين 5 أعوام إلى 15 عامًا بحق 22 طفلًا تراوحت أعمارهم وقت القبض عليهم في سبتمبر 2019، بين 15 و17 عامًا. وفي القضية المعروفة إعلاميًا باسم “خلية مصر الجديدة“، قضت الدائرة الثالثة إرهاب بمحكمة جنايات أمن الدولة طوارئ، بمعاقبة 6 متهمين بالإعدام شنقًا، كما حكمت على المتهم السابع بالسجن المؤبد.
– أوضاع احتجاز مزرية:
كذلك تطرق التقرير إلى أوضاع الاحتجاز المزرية داخل العديد من مقار الاحتجاز في مصر، مثل؛ مجمع سجون بدر الجديد، الذي تم توثيق العديد من حالات الانتحار بسبب سوء الأوضاع بداخله، كذلك مجمع سجون طرة، وسجن القناطر للرجال، وسجن القناطر للنساء، وتسجيل وتوثيق العديد من الحالات التي عانت داخل تلك المقرات من تدهور أوضاعهم الصحية بسبب سوء أوضاع الاحتجاز والإهمال الصحي المتعمد.
– الخدمات المقدمة للضحايا:
وحول ما قدمته “لجنة العدالة” للضحايا، قامت المؤسسة – من خلال فريقها للتواصل الأممي -، بتقديم 23 شكوى ومراسلة واجتماع بخصوص ضحايا، ومستجدات الأوضاع الحقوقية في مصر، وذلك إلى هيئات وفرق عديدة تابعة إلى الأمم المتحدة، منهم؛ الفريق العامل المعني بالاعتقال التعسفي، والفريق العامل المعني بالاختفاء القسري، والمقرر الخاص المعني بحماية المدافعين عن حقوق الإنسان، والمقرر الخاص المعني بالقتل خارق نطاق القضاء، والمقرر الخاص المعني بحرية الرأي والمعتقد.
ونتج عن مراسلات وجهود فريق المؤسسة نجاحات عديدة صدرت خلال فترة التقرير، من ضمن أبرز نتائجها؛ التقرير الذي أصدرته لجنة حقوق الإنسان بشأن مصر بعد فحص ملفها بمشاركة “لجنة العدالة“، كذلك أصدرت المقررة الخاصة المعنية بالمدافعين عن حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، مذكرة أعربت فيها عن مخاوفها البالغة بشأن الاختفاء القسري المتكرر والتعذيب وسوء المعاملة والإهمال الطبي للمدافع عن حقوق الإنسان المصري، الدكتور أحمد شوقي عبد الستار محمد عماشة، أيضًا طالب خبراء حقوق إنسان تابعون للأمم المتحدة، في مذكرة لهم، السلطات المصرية باحترام ضمان حصول المرشح الرئاسي السابق، الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح، على الرعاية الصحية الملائمة والمناسبة في الوقت المناسب على سبيل الاستعجال نتيجة للتدهور الشديد بصحته، مع فتح تحقيقات فعالة وتقييم للظروف المحيطة باعتقاله وحرمانه من الحرية.
– توصيات التقرير:
وتوصي “لجنة العدالة” بعد عرض تقريرها لمستجدات الوضع الحقوقي خلال الربع الأول من 2023، بالإفراج عن سجناء الرأي، ومن تخطت فترات حبسهم الاحتياطي عامين دون محاكمة أو التحقيق في أدلة تدينهم، والعمل على إعادة دمجهم اجتماعيًا تعويضًا عن ضرر الاحتجاز المطول عليهم وعلى ذويهم.
وأيضًا دعت المؤسسة بالسماح لمنظمات المجتمع المدني المحلية والدولية بتنظيم زيارات منتظمة لمراقبة الأوضاع داخل مراكز الاحتجاز، مع دعوات لفتح تحقيقات جدية وشفافة لمحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات، ووقف تنفيذ الأحكام القضائية الجائرة التي صدرت خلال فترة التقرير، وإعادة محاكمة المتهمين.
كما تطلب المؤسسة من السلطات في مصر بفتح تحقيقات جدية في جرائم التعذيب والاختفاء القسري والحرمان العمدي من الرعاية الصحية بحق الضحايا الذين وثق التقرير حالتهم، مع ضرورة تنفيذ التوصيات التي وردت في التقرير الختامي الخاص بمصر والذي أصدره مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة.