قالت “لجنة العدالة” إن أوضاع العمال في مصر تعكس أزمة متفاقمة من الانتهاكات الحقوقية والاقتصادية التي تضعف قدرتهم على العيش بكرامة، حيث يعاني العمال من تدني الأجور وظروف عمل غير آمنة وغياب الضمانات القانونية الكافية لحمايتهم من التعسف. وفي إطار التزامها بالدفاع عن حقوق الإنسان وتعزيز العدالة الاجتماعية، تحاول اللجنة من خلال تعاونها مع الآليات الأممية رفع صورة دقيقة عن واقع العمال في مصر، وتسليط الضوء على الانتهاكات الممنهجة التي يتعرضون لها، في محاولة لدفع الجهات المعنية لاتخاذ إجراءات ملموسة تهدف إلى تحسين ظروفهم والتخفيف من معاناتهم.
وفي إطار هذا التعاون، قامت “لجنة العدالة” بتقديم تقرير مفصل إلى فريق المراجعة الدورية الشاملة بالأمم المتحدة في الدورة الرابعة لمراجعة ملف مصر، في يوليو 2024، حول ملف العمال في مصر، وهو ما استندت إليه اللجنة الأممية في أكثر من مجال في تقريرها النهائي. فدعت اللجنة الأممية السلطات المصرية – بُناءً على دعوة من “لجنة العدالة”- للانضمام إلى الاتفاقات الست المتبقية لمنظمة العمل الدولية، بما في ذلك الاتفاقيات أرقام (187 و155 و156 و175 و183 و189).
كما أشار التقرير الأممي إلى ملاحظة “لجنة العدالة” حول أنه في فبراير 2024، أعلن عمال في محافظة الغربية الإضراب عن العمل، مطالبين بتطبيق الحد الأدنى الجديد للأجور على أساس درجات الموظفين، مسلطة الضوء على التحديات التي تواجه العمال في مجال الصحة والسلامة المهنيتين، ومبرزة أن العمال غير النظاميين يفتقرون إلى الحماية القانونية والاجتماعية في حوادث العمل، وتوصية اللجنة بمراجعة قوانين العمل لكي تتماشى مع اتفاقيات منظمة العمل الدولية وتوسيع نطاق الحماية الصحية والحماية المكفولة بالتأمين الاجتماعي.
كذلك استند التقرير الأممي إلى ملاحظة “لجنة العدالة” حول انتشار عمالة الأطفال غير المنظمة، مع توصيتها بتحسين التنسيق بين المجلس القومي للأمومة والطفولة والهيئات الحكومية؛ من أجل حماية حقوق الطفل.
وكان تقرير “لجنة العدالة” المقدم يعكس تقييمًا شاملاً لوضع حقوق العمال في مصر خلال الخمس سنوات الماضية، حيث يتناول تأثير التغيرات الاقتصادية والسياسية الأخيرة على العدالة العمالية، كما يشير إلى الأعباء الاقتصادية المتزايدة التي تواجه العمال نتيجة ارتفاع الأسعار والخدمات الأساسية. فعلى الرغم من رفع الحد الأدنى للأجور في القطاعين العام والخاص؛ فإن استثناء العمالة في المشروعات الصغيرة والمتناهية الصغر – التي تمثل غالبية القوى العاملة-؛ تسبب في تفاقم الاحتجاجات العمالية وتزايد شعور العمال بالتهميش.
كما أعاد التقرير النظر في تنفيذ التوصيات السابقة التي قُدمت لمصر خلال المراجعة الدورية السابقة عام 2019، حيث قُدمت 19 توصية تتعلق بحقوق العمال، مشيرًا إلى أنه رغم قبول الحكومة لبعض هذه التوصيات؛ إلا أن التنفيذ ظل محدودًا، واستمرت القوانين والممارسات التي تقيّد حقوق العمال في التظاهر والتعبير عن مطالبهم، بالإضافة إلى القيود المفروضة على تأسيس النقابات العمالية المستقلة.
كذلك وثّق التقرير عددًا من الإضرابات والاعتصامات التي شهدتها مصر بين يناير ومارس 2024، والتي جاءت نتيجة المطالب الاقتصادية والاجتماعية غير المستوفاة، وشملت هذه الاحتجاجات قطاعات متعددة، مثل؛ الصحافة والصناعة والزراعة، حيث طالب العمال بزيادة الأجور وتطبيق الحد الأدنى لها وتحسين ظروف العمل. وقد واجه العديد من هذه الاحتجاجات ردود فعل قمعية من قبل الشركات وأحيانًا الجهات الأمنية، ما أدى إلى تعليق بعض العمال عن العمل أو اعتقالهم.
وأشار التقرير أيضًا إلى تصاعد ظاهرة إنهاء الخدمات الوظيفية بشكل تعسفي دون تحقيقات عادلة، حيث تم تسليط الضوء على حالات مثل فصل العاملين بموجب التعديلات الأخيرة على قانون الخدمة المدنية، والتي تمنح السلطات صلاحيات واسعة لفصل الموظفين على أسس غامضة، ما يضر بحقوق العمال ويفتح المجال لتسييس قرارات الفصل.
وتناول التقرير أيضًا الانتهاكات المتعلقة بسلامة وأمان العمال في مواقع العمل. فبالرغم من وجود قوانين تلزم أرباب العمل بتوفير بيئة عمل آمنة؛ إلا أن عددًا من الحوادث الخطيرة وقعت في 2024، مثل؛ حوادث انهيار المصانع وسوء صيانة المعدات، ما أدى إلى وفاة وإصابة العديد من العمال. إضافة إلى ذلك، أبرز التقرير انتشار ظاهرة عمالة الأطفال في ظروف خطيرة، مع الإشارة إلى حادث مأساوي أودى بحياة 16 فتاة نتيجة انعدام شروط السلامة أثناء نقلهن للعمل.
واختتم التقرير بتقديم توصيات تدعو مصر إلى الالتزام بالمعايير الدولية لحقوق العمال من خلال تعديل القوانين المحلية لتتماشى مع اتفاقيات منظمة العمل الدولية، وزيادة الحماية القانونية للعمال في القطاعات غير الرسمية، وتعزيز حرية تأسيس النقابات المستقلة. كما دعا إلى اتخاذ تدابير عاجلة لضمان سلامة العمال ومعالجة القضايا المتعلقة بالتمييز، خاصة ضد النساء العاملات في القطاعات غير الرسمية.