قالت “لجنة العدالة” إن الآليات الأممية تلعب دورًا حاسمًا في الضغط على الأنظمة القمعية من أجل رفع الظلم عن الضحايا، حيث تساهم في تعريف المجتمع الدولي بالفظائع المرتكبة من قبل تلك الأنظمة، ما يسهم في كشف الانتهاكات التي قد تمر تحت رادار الإعلام المحلي، مؤكدة أن هذه الآليات لا تقتصر أيضًا على تقديم التقارير أو البيانات فقط؛ بل تسهم أيضًا في رصد وتوثيق الانتهاكات بشكل دقيق، وهو ما يوفر الأساس للمساءلة والمحاسبة القانونية على الصعيدين المحلي والدولي. وأضافت اللجنة أن العمل الأممي في هذا المجال يساعد في تحقيق الإنصاف للضحايا، ويعزز فرص رفع الظلم، خاصة في الحالات التي يصعب فيها تحقيق العدالة عبر الأنظمة القضائية الوطنية في ظل الضغط السياسي أو القمع الداخلي.
ويأتي ذلك تعقيبًا على البيان الذي نشرته المقررة الخاصة بحالة المدافعين عن حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، ماري لولور، حول حالة بعض المدافعين والمدافعات عن حقوق الإنسان في مصر، والذي أعربت فيه عن قلقها العميق إزاء استمرار استخدام التشريعات المتعلقة بمكافحة الإرهاب في مصر كأداة لقمعهم. والذي جاء أيضًا كنتاج للجهود التي قامت بها “لجنة العدالة” في التعاون مع الآليات الأممية المختلفة لرفع الظلم عن الضحايا، حيث قامت اللجنة بإرسال أكثر من شكوى بخصوص حالات المدافعين عن حقوق الإنسان الذين سلطت المقررة الأممية الخاصة الضوء على حالاتهم في بيانها.
وقالت “لولور” في بيانها إن مصر، رغم بعض التقدم الذي أحرزته على مستوى حقوق الإنسان من خلال إطلاق سراح بعض المحتجزين وتطوير استراتيجية وطنية لحقوق الإنسان، ما زالت تمارس إساءة استخدام ممنهجة لتشريعات مكافحة الإرهاب، متابعة أن السلطات المصرية تواصل توجيه تهم متشابهة أو متطابقة تتعلق بالإرهاب للمحتجزين السياسيين بعد انقضاء فترات سجنهم، فيما يُعرف بممارسة “التدوير” أو “إعادة التدوير” للتهم.
وأوضحت المقررة الأممية الخاصة أن هذه الممارسات تُعتبر انتهاكًا خطيرًا للحقوق الأساسية للمدافعين عن حقوق الإنسان، حيث يتم تمديد فترات احتجازهم عبر إعادة توجيه تهم متكررة غير قانونية ضدهم، على الرغم من انتهاء عقوباتهم. وأضافت أن هذه الممارسات تمثل تجاوزًا صارخًا لمبدأ عدم جواز المحاكمة على نفس الجريمة مرتين، الذي يُعد ركيزة أساسية في حقوق الإنسان الدولية، ومشيرة كذلك إلى أن هذا التوجه يعكس سياسات السلطات المصرية في محاولة مكشوفة لقمع حرية التعبير والعمل المدني في البلاد.
وقالت “لولور”: “ما يثير القلق بشكل خاص هو أن المدافعين عن حقوق الإنسان، مثل؛ هدى عبد المنعم، وعائشة الشاطر، وإبراهيم متولي، الذين قضوا فترات طويلة في السجون، يتم احتجازهم مجددًا عبر تهمًا مشابهة أو متطابقة تتعلق بالإرهاب، وهو ما يشير إلى سياسة منهجية تهدف إلى إبقاء هؤلاء الأفراد رهن الاحتجاز لفترات طويلة دون إمكانية الحصول على محاكمة عادلة أو إحقاق للعدالة”.
وفي تفاصيل أخرى، أوضحت المقررة الأممية الخاصة أنها تلقت تقارير مقلقة بشأن حالة السيدة هدى عبد المنعم، المحامية والمدافعة عن حقوق الإنسان، التي تم احتجازها مجددًا بعد انتهاء مدة سجنها في 1 نوفمبر 2023، حيث تم توجيه تهم جديدة ضدها بعد عام من الإفراج عنها، وهي تهم متطابقة مع التهمة التي قضت عقوبتها بشأنها في عام 2023. وهذه التهم الجديدة، التي تتعلق بالانضمام إلى “منظمة إرهابية غير محددة”، تمثل انتهاكًا لمبدأ “عدم جواز المحاكمة على نفس الجريمة مرتين”. وأشارت “لولور” إلى أن هذه الإجراءات لا تؤثر فقط على حرية المدافعين عن حقوق الإنسان؛ بل تشكل أيضًا ضربة لحقهم في محاكمة عادلة وفقًا للمعايير الدولية.
كما أضافت “لولور” أن المدافعة عن حقوق الإنسان عائشة الشاطر، تواجه نفس الممارسات، حيث تم توجيه نفس التهمة المتعلقة بالإرهاب ضدها في نوفمبر 2024، وهي تهمة متطابقة مع تلك التي تقضي بموجبها حاليًا عقوبة بالسجن لمدة عشر سنوات، مشيرة إلى أن هذه الممارسات تشير إلى تزايد استخدام التشريعات القمعية بشكل منهجي ضد المدافعين عن حقوق الإنسان في مصر.
وفي حالة ثالثة، سلطت “لولور” الضوء على قضية إبراهيم متولي، المحام والمدافع عن حقوق الإنسان، الذي تم اعتقاله في عام 2017، من مطار القاهرة أثناء محاولته السفر إلى جنيف؛ للقاء فريق الأمم المتحدة العامل المعني بحالات الاختفاء القسري أو غير الطوعي. ورغم إصدار محكمة جنايات القاهرة أوامر بإطلاق سراحه المشروط مرتين؛ إلا أن السلطات المصرية وجهت له تهمًا جديدة متعلقة بالإرهاب بشكل متكرر، بما في ذلك تهم يُزعم أنه ارتكبها أثناء وجوده في السجن! وكان فريق الأمم المتحدة المعني بالاحتجاز التعسفي اعتبر احتجاز “متولي” تعسفيًا، وأشار إلى أنه يُعد عملًا انتقاميًا لتعاونه مع الأمم المتحدة.
وأضافت المقررة الأممية الخاصة أن هذه الممارسات تتسم بالعنف والإصرار على التضييق على المدافعين عن حقوق الإنسان، حيث يواجه هؤلاء المدافعون تحديات قانونية مستمرة وتهمًا ملفقة تهدف إلى تعطيل عملهم المشروع في مجال حقوق الإنسان، ومؤكدة على أن الاحتجاز التعسفي لـ “متولي”، فضلاً عن محاكمته في ثلاث قضايا مختلفة، بما في ذلك قضية “التآمر مع جهات أجنبية”، والتي يبدو أنها مرتبطة بتعاونه مع الأمم المتحدة، يشكل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي.
وأشارت “لولور” في بيانها إلى أن الظروف السيئة في السجون المصرية، حيث يُحتجز المدافعون عن حقوق الإنسان، تمثل أيضًا مصدرًا كبيرًا للقلق. فقد عانى هؤلاء المدافعون من مشكلات صحية خطيرة منذ بداية احتجازهم، حيث تم حرمانهم من العلاج الطبي المناسب رغم خطورة حالاتهم، مضيفة أنه من غير المقبول أن تمنع سلطات السجن إجراء العمليات الجراحية الموصي بها أو تعرقل نقل المحتجزين إلى المستشفيات أو حتى تحجب السجلات الطبية عن عائلاتهم ومحاميهم، ما يشكل معاملة سيئة جسديًا ونفسيًا.
من ناحيتها، تثمن “لجنة العدالة” بيان المقررة الخاصة المعنية بحالة المدافعين عن حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، ماري لولور، والذي سلّط الضوء على استمرار السلطات المصرية في استخدام تشريعات مكافحة الإرهاب كأداة لتقويض عمل المدافعين عن حقوق الإنسان والمحامين، وترى أن هذه الممارسات لا تشكل فقط انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي؛ بل تعكس كذلك توجهًا منهجيًا لاستهداف كل صوت مستقل يعمل على كشف الانتهاكات وحماية حقوق الإنسان في مصر.