قالت “لجنة العدالة” إن القوانين وُضعت لتكون ركيزة للعدالة، ولتدافع عن الحقوق وتُعزز من كرامة الإنسان، لا لتُستغل في إسكات من يجرؤون على قول الحق أو من يسعون للدفاع عن حقوق المظلومين. حينما تتحول العدالة إلى سيف مُسلط على رقاب المعارضين، وتتحول الدولة من حامية للحقوق إلى منتهكة لها، وتفقد بذلك شرعيتها الأخلاقية والسياسية.
جاء هذا عقب قيام قاض التحقيق الأوّل بالقطب القضائي الاقتصادي والمالي بتونس؛ بإصدار بطاقة إيداع بالسجن ضد رئيسة هيئة الحقيقة والكرامة السابقة والناشطة الحقوقية، سهام بن سدرين.
وكان قاض التحقيق أًصدر في أول أغسطس/ آب الجاري، بطاقة الإيداع بُناء على قضية متعلقة بشكوى تقدم بها أحد أعضاء الهيئة؛ بخصوص تدليس التقرير الختامي للهيئة في النقطة المتعلقة بملف تعويضات الدولة التونسية بالبنك الفرنسي التونسي.
وهيئة الحقيقة والكرامة؛ هي هيئة تونسية أنشئت بقانون خاص أقره البرلمان، ومعنية بالنظر في انتهاكات حقوق الإنسان بتونس، خلال عهد الرئيسين السابقين الحبيب بورقيبة (1955–1987) وزين العابدين بن علي (1987-2011)، والعامين التاليين حتى نهاية 2013 (تاريخ إنشائها). فطوال هذه الفترة- الممتدة نحو ستة عقود- خضع آلاف النشطاء من الإسلاميين واليساريين للتعذيب أثناء فترات سجنهم الطويلة، إضافة إلى تشريد آلاف آخرين وحرمانهم من الحقوق بسبب معارضتهم للسلطة، ومقتل ما لا يقل عن 320 محتجا وإصابة مئات الأشخاص خلال الثورة التونسية 2011.
وفي 27 مايو/ أيار 2015 بدأ عمل هيئة الحقيقة والكرامة فعليًا بعد أن شكلت جهازها التنفيذي وعينت مكاتبها الجهوية وصاغت نظامها الداخلي، وتمكنت من مقابلة ممثلي المجتمع المدني في أنحاء البلاد، من أجل تحديد سبل التعاون بين الطرفين، والاتفاق على الوسائل العملية التي من شأنها أن تساعد على كشف الانتهاكات.
وتوصلت الهيئة، التي اختتمت أعمالها نهاية 2018، إلى إحالة 72 لائحة اتهام للقضاء، وأكثر من 80 لائحة اتهام لم يستكمل فيها التحقيق، كما سلمت تقريرها الختامي للرئيس السابق، الباجي قايد السبسي، مطلع يناير/ كانون الثاني 2019.
ومن التوصيات التي جاءت في التقرير، القيام بالإصلاحات الضرورية لضمان عدم تكرار الانتهاكات الحقوقية، وضرورة تعويض ضحايا الانتهاكات، وحماية المساءلة القضائية.
وترى “لجنة العدالة” أن الإجراءات التعسفية بحق السيدة سهام بن سدرين، تندرج في إطار محاولات النظام التونسي الحالي لإخماد كل الأصوات الحرة والمعارضة الحقوقية، وتفكيك المؤسسات الوسيطة، كما أنه يهدف بكل وضوح إلى إسقاط التقرير الختامي للهيئة؛ وذلك لما يتضمنه من اتهامات بحق رجال النظام السابق، ويعمل على تفكيك منظومة الفساد والدولة العميقة بالبلاد، كما أنها تضمن إفلات الجناة من العقاب وحرمان ضحاياهم من حقوقهم في الكرامة ورد الاعتبار، والتي تعد حقوقًا إنسانية أساسية.
كذلك تعتبر اللجنة أن هذه الإجراءات “غير قانونية” لمخالفتها للقانون الأساسي عدد 53 لسنة 2013، والمؤرخ في 24 ديسمبر 2013، والمتعلق بإرساء العدالة الانتقالية وتنظيمها في فصله السادس والتسعين، الذي ينص على منع ملاحقة أعضاء الهيئة قضائيًا على أساس مضامين التقرير الختامي.
كما أن بوادر حالة القمع التي يواجها أعضاء الهيئة ورئيستها بدأت مع تعمّد قضاء السلطة التنفيذية بطريقة ممنهجة تعطيل ما يقارب 205 قضايا أحالتها الهيئة على القضاء ضد 1500 (من بينهم 1200 منتمين إلى وزارة الداخلية)! منسوب إليهم انتهاكات جسيمة؛ كالقتل العمد والتعذيب والاختفاء القسري والاعتداء على مال المجموعة الوطنية وغيرها.
ولكل ما سبق، تدين “لجنة العدالة” حالة التربص التي يتعامل بها النظام التونسي مع السيدة سهام بن سدرين، وترفض كافة الإجراءات التعسفية ضدها، والتي فيما يبدو متعلقة بعملها في الهيئة، وتطالب بوقفها وإلغاء بطاقة الإيداع التي صدرت بحقها.