Skip to content

أنظمة المراقبة المصنوعة في فرنسا

الثلاثاء 23 نوفمبر 2021

في مصر، باعت مجموعة شركات الأسلحة العملاقة داسوDassault، وشركة نيكسا تكنولوجيز Nexa Technologies، وإحدى شركات تال Thales نظام مراقبة جماعي لدكتاتورية عبد الفتاح السيسي بمباركة الدولة الفرنسية.

في الأول من أكتوبر / تشرين الأول 2017  كانت رسائل تهاني”عيد ميلاد سعيد” تتدفق على هاتف أحمد علاء وهو جالس في الكرسي الخلفي بسيارة أجرة في بلدة دمياط بمصر. كان الطالب الذي قد بلغ من العمر 22 عامًا في ذلك اليوم يرسل رموزًا تعبيرية emoji ورسائل نصية إلى أصدقائه. ولكنه فوجئ برجل يقرع النافذة قائلا “بطاقة الهوية!” وضباط يرتدون ملابس مدنية يحيطون بالسيارة ومعهم أجهزة اتصال لاسلكي في يدهم، ثم يخرجونه بقسوة من السيارة ويأخذونه بعيدًا في شاحنتهم الى وجهة غير معروفة. قال أحمد لـ Disclose تعليقا على الواقعة: “اعتقدت لوهلة أنها كانت مزحة. لم أكن أعتقد أنه من الممكن أن يتم اختطافي بهذه الطريقة في منتصف الشارع”. وقد تم سجن أحمد دون أي محاكمة.

في ذلك الوقت، اتهمه النظام بنشر صورة له على الإنترنت تحت علم قوس قزح، رمز مجتمع المثليين، في حفل سري لموسيقى الروك في القاهرة في 22 سبتمبر. أدت صورة انتشرت على الإنترنت في مصر إلى اتهام الشاب من قبل النظام بـ “الفجور” والانتماء إلى “جماعة غير مشروعة”. وبعد 80 يومًا من الاعتقال أطلق سراحه دون مزيد من التوضيح، وكان قد انهك بدنيًا ونفسيًا. ثم حزم حقائبه وهرب من البلاد إلى تورنتو، كندا، وهناك التقى به موقع Disclose للحديث بشكل أكثر تفصيلا.

أحمد علاء لاجئًا في كندا بعد 80 يومًا من الاعتقال التعسفي في سجون الدكتاتورية. ©DISCLOSE
أحمد علاء لاجئًا في كندا بعد 80 يومًا من الاعتقال التعسفي في سجون الدكتاتورية. ©DISCLOSE

تذكر أحمد الأحداث وهو جالس في غرفة المعيشة في كندا مع أصدقاء لاجئين مثله. يقول أن وسائل الإعلام الرسمية بثت وجهه مرارًا وتكرارًا على شاشات التلفزيون، وأنه تلقى تهديدات على مواقع التواصل الاجتماعي، ثم اختبأ لمدة أيام قليلة في بلدة صغيرة بعيدة عن القاهرة حيث اعتقد أنه بأمان هناك. يقول: “عندما اعتقلتني الشرطة سرعان ما أدركت أنه تم التنصت على هاتفي وأن نشاطي على الشبكات الاجتماعية يخضع لمراقبة. لا أحد يستطيع الهروب منهم … “

65000 معارض في السجن

في مصر يقبع الكثيرون خلف القضبان، المعارضون السياسيون والصحفيون وقادة المنظمات غير الحكومية والمثليون والعمال المضربون. على مدى السنوات الخمس الماضية كل أولئك الذين لا يفكرون أو يعيشون وفقًا لمبادئ النظام العسكري تعرضوا لخطر السجن – يقال إن ما يقرب من 65000 معارض معتقلون في سجون النظام في حين “اختفى” 3000 آخرون بعد اعتقالهم، بحسب وزارة الخارجية الأمريكية. هناك قمع غير مسبوق للمجتمع المدني المصري سهله نظام مراقبة سيبراني ضخم أقامته ثلاث شركات فرنسية بموافقة ضمنية من السلطات.

الشركة الأولى تسمى Nexa Technologies ويديرها مؤسسو Amesys، وهي شركة متهمة بتوريد معدات المراقبة إلى ديكتاتورية القذافي في ليبيا. أما الثانية Ercom-Suneris (وهي شركة تابعة لشركة Thales منذ عام 2019) معروفة بأنها مسؤولة عن تأمين أحد هواتف الرئيس ماكرون. والثالثة هي داسو سيستيم Dassault Systèmes، الفرع التكنولوجي لشركة تصنيع الأسلحة المصنعة لطائرات رافال. عند التواصل لم يجيب Ercom-Suneris و Dassault Systèmes على أسئلة كاتبي التقرير.

 تقول إدارة نيكسا تكنولوجيز: “نحن نقوم دائمًا بنشر تقنياتنا بشفافية كاملة وبمعرفة السلطات وأجهزة المخابرات الفرنسية”

وفقًا لتحقيق Disclose بالشراكة مع مجلة Télérama، اجتمعت هذه الشركات التكنولوجية الثلاث معًا في عام 2014 للعمل على مشروع لرصد الأفراد خارج الحدود المتعارف عليها.

وفيما يبدو أنه نظير مصري لوكالة الأمن القومي الأمريكية NSA[1]

أما آخر جزء من هيكل التجسس الهائل هذا كانت عبارة عن محرك بحث فائق القوة يسمى Exalead صنعته شركة Dassault Système. وفقًا لمعلوماتنا، فإن Exalead مكّن من ربط قواعد البيانات المختلفة معًا نيابة عن جهاز المخابرات العسكرية الغامض للنظام المصري.

[1] نظمت وكالة الأمن القومي ، جهاز المخابرات الأمريكية ، مراقبة واسعة النطاق للاتصالات العالمية ، كما كشف المخبر إدوارد سنودن.

لتعزيز السلطة التي حصل عليها بالقوة في يوليو 2013 ، اعتمد عبد الفتاح السيسي على حليفين مهمين. من ناحية كانت الدولة الفرنسية (أحد شركائه الغربيين الرئيسيين) تقدم الدعم الدبلوماسي والعسكري والتجاري. والإمارات العربية المتحدة من ناحية أخرى، وفقًا لمعلوماتنا، وضعت 150 مليون يورو على الطاولة في عام 2013 لتزويد المشير السيسي بالعنصر المفقود لترسانته القمعية: التجسس الرقمي.

واستخدمت الدولة الخليجية شركة[2] تابعة ل”اعتماد”، وهي شركة إماراتية رائدة في مجال الدفاع السيبراني، ومن خلال هذا الشريك حصلت المراقبة الإلكترونية “المصنوعة في فرنسا” فرصة الوصول إلى قلب السلطة المصرية: وزارة الدفاع.

أكدت إدارة شركة Nexa Technologies (وهي أول من شارك في هذا الأمر) في رسالة مكتوبة الى موقع ديسكلوز: “جاء الطلب من الحكومة المصرية إلينا من خلال شركة إماراتية اتصلت بنا وأخبرتنا بالمتطلبات.”

تتمتع الشركة الفرنسية الصغيرة بميزة كبيرة: منذ عام 2012 كان لديها ذراع تجاري مقره في الإمارات تحت اسم Advanced Middle East Systems.

“تم هذا الإنشاء بأكبر قدر من الشفافية للمعلومات مع الخدمات الفرنسية”، كما تؤكد نيكسا تكنولوجيز. وفي 24 مارس 2014 فاز مديرا الشركة ستيفان ساليس وأوليفييه بوهبوت بعقد قيمته 11.4 مليون يورو لتثبيت برنامجها الرائد Cerebro في القاهرة. وفقًا لوثيقة سرية حصلت عليها Disclose يُقال إن Cerebro قادر على “تحليل البيانات لفهم علاقات وسلوك المشتبه بهم، والعودة بالزمن للعثور على المعلومات ذات الصلة في مليارات المحادثات المسجلة”. وكان العقد يسمى “توبليرون” نسبة للشوكولاتة السويسرية على شكل هرم.

وجد أحمد علاء لاجئًا في كندا بعد 80 يومًا من الاعتقال التعسفي في سجون الدكتاتورية. ©DISCLOSE
وجد أحمد علاء لاجئًا في كندا بعد 80 يومًا من الاعتقال التعسفي في سجون الدكتاتورية. ©DISCLOSE

[2] شركة Fahad smart systems

كيف يعمل نظام CEREBRO وفقًا لوثيقة نيكسا السرية.

في أعقاب ذلك نصح ستيفان سالي (الرئيس التنفيذي لشركة Nexa) الإماراتيين بإحضار شركة Ercom-Suneris. وكان ذلك بمثابة الجائزة الكبرى لها. في صيف عام 2014 وقع بيير مايول بدير الرئيس التنفيذي لشركة Ercom عقدًا بقيمة 15 مليون يورو تقريبًا للتجسس على الهواتف في مصر. كان الجيش المصري مهتمًا بشكل أساسي بخاصية واحدة: تحديد الموقع الجغرافي لأهدافه في الوقت الفعلي باستخدام برنامج Cortex Vortex.

“إنه مثل فيلم تجسس”، يوضح مهندس سابق في شركة Ercom، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته. “يمكنك تحديد الموقع الجغرافي لأي شخص عن طريق تثليث موقع المحطات الأساسية التي يتصل بها هاتفه، حتى بدون إجراء أي مكالمات”. وهذا جهاز أكثر اختراقا للخصوصية من أنظمة Nexa.

ما هو رأي شركة Thales التي اشترت Ercom-Suneris في عام 2019 والتي تمتلكها الدولة الفرنسية بنسبة 25.6٪؟ عند الاتصال معها لم ترغب المجموعة الفرنسية في “الرد على الاستبيان” الذي أرسله Disclose.

وفقًا لمعلوماتنا، شاركت Dassault Systèmes في المشروع في نفس الوقت مع نظيرتيها. بصفتها مالك Exalead، محرك بحث فائق القوة، كانت المجموعة على ما يبدو الشريك المثالي لتركيز ملايين المعلومات التي جمعتها الشركات الفرنسية الصغيرة والنظام، مما جعل قاعدة البيانات الرقمية لبطاقات الهوية المصرية وجوازات السفر متاحة لها. وفقًا لمعلوماتنا، سافر موظفو مجموعة Dassault إلى القاهرة خمس مرات بين أكتوبر 2015 ونهاية عام 2016 للإشراف على تركيب Exalead. كما تم تدريب ضباط المخابرات المصرية في باريس.

ولضمان قيام النظام بعمله على أكمل وجه لم تبخل الديكتاتورية في توفير المعدات: مراكز بيانات جديدة تمامًا، أحدث جيل من أجهزة كمبيوتر Dell، خوادم ضخمة megaservers من شركة DDN الأمريكية…وفي الإسكندرية، كان للجيش أيضًا مكونات إلكترونية[3] مثبتة على الكابلات البحرية التي تربط الدولة بشبكة الإنترنت لمراقبة أفضل لها. أما مركز قيادة هذا الجهاز “الاستخباراتي” المصري فقد كان يقع في القاهرة في قاعدة ألماظة العسكرية على بعد 10 كيلومترات من القصر الرئاسي.

[3] يمكنها مراقبة شبكة الكمبيوتر دون تعطيلها.

تفويض من الدولة الفرنسية

من أجل الحصول على حرية التصرف في مصر، كان على خبراء المراقبة السيبرانية الفرنسيين السعي للحصول على موافقة الدولة الفرنسية ووحدة التحكم في البضائع ذات الاستخدام المزدوج (SBDU)، أو بعبارة أخرى، السيطرة على التقنيات المدنية التي يمكن إساءة استخدامها لأغراض عسكرية أو قمعية مثل برامج المراقبة.

في يوليو 2014 ، قامت شركة Nexa Technologies بتقديم طلب الموافقة الى وحدة SBDU تحت سلطة إيمانويل ماكرون (وزير الاقتصاد آنذاك) كجزء من عقد “Toblerone”. وفقًا للملف الذي تم تقديمه إلى SBDU وحصلت عليه شركة Disclose ، ذكرت الشركة “تقديم خدمات [لمصر] تتعلق بتنفيذ نظام قانوني لاعتراض IP في سياق مكافحة الإرهاب والجريمة”. تضمن العقد 550 يوم تركيب و 200 ساعة تدريب.

رسميًا ، كانت شركة Advanced Middle East Systems ، التابعة لشركة Nexa في الإمارات العربية المتحدة ، تبيع النظام. وكانت الشركة الأم تقوم فقط بتوزيعه. ومن الواضح أن إدارة SBDU اطمأنت واعتبرت أن القضية لا تتطلب المزيد من التحقيق. وفي 10 أكتوبر 2014 ، وافقت على طلب الشركة. على ما يبدو لم تجد وزارة الاقتصاد أي مشكلة في تصدير برامج Cerebro إلى واحدة من أكثر البلدان قمعا في العالم. وأشارت الوزارة عند اتصال Disclose بها إلى أنها لا ترغب في التواصل بشأن هذا الموضوع.

وفي خريف عام 2014 ، جاء دور شركة Ercom-Suneris للمطالبة بموافقة الدولة على تصدير نظام التنصت على المكالمات الهاتفية: وحصلت عليها.

توضح إدارة نيكسا تكنولوجيز اليوم أنه “لو كان لدى الدولة الفرنسية أدنى شك بشأن توريد [Cerebro] إلى الدولة المصرية ، لكانت قد رفضت تصدير التكنولوجيا وعارضت البيع”. في وقت كتابة هذا التقرير وافقت Nexa فقط على الإجابة على الأسئلة التي أثارها تحقيقنا.

يمكن العثور على سبب هذا التصريح غير المسبوق في وحدة الجرائم ضد الإنسانية التابعة لمكتب المدعي العام في باريس: منذ عام 2017 ، وبعد تسريبات من قبل أحد شركائنا، فتح نظام العدالة تحقيقًا قضائيًا ضد نيكسا وإدارتها بسبب “التواطؤ في أعمال التعذيب والاختفاء القسري” في ليبيا ومصر. وفقًا لمعلوماتنا ، في 12 أكتوبر 2021 تم توجيه الاتهام رسميا إلى شركة نيكسا للتكنولوجيا “بالتواطؤ في التعذيب والاختفاء القسري في مصر بين عامي 2014 و 2021”. وفي 17 يونيو تم توجيه الاتهام إلى ستيفان سالي Stéphane Salies وأوليفييه بوهبوت Olivier Bohbot. وحتى الآن قررت Ercom-Suneris و Dassault Systèmes التزام الصمت.

في خدمة بيع الأسلحة

لضمان تقدم مبيعات الأسلحة إلى مصر ، نقلت الدولة الفرنسية دبلوماسييها بعيدًا عن المسرح وفي الخلفية. في قلب هذه الاستراتيجية التجارية كان الوزير جان إيف لودريان وقادة القوات المسلحة.