تؤكد المنظمات الحقوقية المصرية الموقعة أدناه أن الفوضى التي شابت انتخابات مجلس النواب 2025، فضلاً عن غموض آلية اتخاذ القرار، والتدخل المباشر من الرئيس السيسي في مجريات العملية الانتخابية، تعكس بشكل واضح الطبيعة الزائفة لهذه العملية، وتبرهن على انعدام استقلالية الهيئة الوطنية للانتخابات.
في 17 نوفمبر الجاري، تراجعت الهيئة الوطنية بشكل مفاجئ عن تصريحاتها التي دافعت لأسبوع كامل عن نزاهة العملية الانتخابية، وذلك بعد ساعات من نشر الرئيس السيسي رسالة علانية طالب فيها الهيئة، التي يفترض أنها مستقلة، بتكثيف الرقابة على عملية فرز الأصوات، والتحقيق في التجاوزات، بل وإلغاء النتائج إذا اقتضت الضرورة. هذا التدخل الاستثنائي، وما تلاه من امتثال فوري من الهيئة، يكشف مدى خضوع العملية الانتخابية والمجال السياسي برمته لإرادة السيسي.
رسالة السيسي لا تشير، بأي حال من الأحوال، إلى أي تحوّل حقيقي نحو نزاهة الانتخابات أو تمثيل ديمقراطي فعلي، وإنما تؤكد أن الانتخابات في مصر لا تزال -كما هو الحال منذ انتخابات 2015- مرهونة بمصالح سياسية مبهمة تخدم أصحاب السلطة والأجهزة الأمنية وشبكات المنتفعين الجدد من السياسيين، مما يجعل البرلمان مجرد مؤسسة شكلية، كما أشرنا مرارًا.
فهذه التصريحات الرئاسية ربما تسفر فقط عن إعادة توزيع المقاعد بين الأجهزة الأمنية والموالين للسلطة، لكنها قطعًا لن تؤد إلى نتائج انتخابية تعكس تمثيلًا ديمقراطيًا حقيقيًا، الأمر الذي يتطلب توافر شروط وبيئة سياسية مختلفة، تم القضاء عليها بالكامل في مصر. فإغلاق المجال العام والسياسي، وقمع أصحاب الآراء المستقلة والنقدية، والتنكيل بالمعارضة السلمية والديموقراطية واستهدافها، يحول دون تشكيل حركات سياسية راسخة، قادرة على تمثيل المصريين والدفاع عن مصالحهم. كما تؤدي هندسة الأجهزة الأمنية للقوائم الانتخابية إلى الاستبعاد التعسفي للمرشحين؛ ومن ثم، إحكام سيطرتها على المجال السياسي. فضلاً عن استمرار الحرمان غير القانوني للسجناء السياسيين السابقين والمحبوسين احتياطيًا من ممارسة حقوقهم السياسية عبر شطبهم من قواعد الناخبين، الأمر الذي طال حتى من حصل منهم على أحكام قضائية برد الاعتبار.
المنظمات المصرية الموقعة أدناه تؤكد أن السبيل الوحيد للخروج من هذه الأزمة هو أن تضع السلطات المصرية حدًا لتدخل السلطة التنفيذية في العملية الانتخابية، وتفكيك البنية الأمنية والتشريعية التي تتحكم في نتائج الانتخابات، واتخاذ خطوات فورية لإعادة تهيئة الشروط الأساسية للحكم الرشيد والمشاركة الديمقراطية الحقيقية، بما في ذلك محاسبة المسئولين والمتورطين في المخالفات الانتخابية التي تسببت في إلغاء النتيجة وإعادة الانتخابات في 19 دائرة انتخابية في المرحلة الأولى.
لا يمكن لأي عملية اقتراع أن تعكس إرادة الشعب المصري طالما أن الانتخابات تجري في غرف مغلقة، بقرارات أمنية، وتوجيهات رئاسية، مستندة لقوانين انتخابية معيبة، وهيئة انتخابات تفتقر للاستقلال والرغبة والقدرة على ضمان نزاهة الانتخابات وحماية حقوق المرشحين والناخبين. ضمن سياق عام تٌكمم فيه أصوات المعارضة ووسائل الإعلام المستقلة والمجتمع المدني، ويُحتجز فيها سجناء الرأي والمعارضين السياسيين لسنوات.
إن الخطوة الوحيدة ذات المعنى التي يمكن أن يتخذها الرئيس هي إلغاء هذا المسار الانتخابي الزائف، والاعتراف بالإخفاقات الهيكلية العميقة – القانونية والمؤسسية والسياسية – والعمل على إصلاحها بما يضمن إجراء انتخابات حرة ونزيهة.
خلفية
انطلقت المرحلة الأولى من التصويت في انتخابات مجلس النواب المصري لعام 2025 يومي 10 و11 نوفمبر الجاري. وقد أبلغ مراسلون أجانب عن ضعف الإقبال، بينما رصدت وسائل إعلام مصرية مستقلة مخالفات عديدة، أبرزها شراء الأصوات وتواصل الدعاية أثناء فترة الصمت الانتخابي “من الجيزة حتى أسوان.” فبحسب موقع المنصة: “بطاقات الاقتراع الفارغة، والحشود المصطنعة، وشراء الأصوات استمرت حتى اليوم الثاني من الانتخابات.” كما أعلنت المرشحة نشوى الديب انسحابها من سباق دائرة إمبابة والمنيرة الغربية (محافظة الجيزة) بعد أقل من ساعة من انطلاق عملية التصويت، لأنها “تفتقد النزاهة والشفافية.” وأصدرت العديد من أحزاب المعارضة والمرشحين بيانات تدين الانتهاكات الجسيمة التي شابت العملية الانتخابية، مطالبين السلطات، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بالتدخل والسماح بإعادة فرز الأصوات.
وعلى النحو نفسه المتبع في الانتخابات السابقة، ضمنت الأجهزة الأمنية مسبقًا تخصيص مقاعد القوائم الانتخابية للموالين للنظام ممن قدّموا أعلى مبالغ مالية. إذ اشتكى أحد المرشحين، في بث مباشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، من مطالبته بدفع مبلغ 20 مليون جنيه مقابل ضمان مقعده في البرلمان، ليتم اعتقاله بتهمة “نشر أخبار كاذبة” ويفرج عنه لاحقًا بكفالة.
بل أن عملية هندسة النتائج بدأت من المنبع أثناء فترة الترشح، مع قرار هيئة الانتخابات استبعاد بعض المرشحين لأسباب واهية من بينها سابقة صدور أحكام بحقهم في قضايا سياسية، أو عدم أدائهم للخدمة العسكرية، بناء على القرار المنفرد لوزارة الدفاع. وقد طال هذا الاستبعاد أيضًا نوابًا سابقين من المعارضة لم يتم منعهم من الترشح في الانتخابات السابقة. ورغم لجوء المستبعدين للقضاء للطعن على هذه الاستبعادات غير القانونية، رفضت المحكمة الإدارية العليا جميع الطعون.
ورغم تصاعد موجة الشكاوى من محافظات مختلفة، تمسكت الهيئة الوطنية للانتخابات لمدة أسبوع كامل بتصريحاتها المعلنة التي تؤكد أن نسبة المشاركة كانت مرتفعة، وأن التصويت جرى دون مخالفات كبيرة. وفي 17 نوفمبر، أصدر الرئيس السيسي منشورًا دعا فيه الهيئة إلى “ضمان إظهار الإرادة الحقيقية للناخبين بكل شفافية” مفوضًا إياها صراحة بإلغاء النتائج “حال تعذر التأكد من انعكاس هذه الإرادة في النتيجة.” وفي اليوم نفسه، عقدت الهيئة مؤتمرًا صحفيًا طارئًا تعهدت خلاله بإعادة فحص كل الشكاوى، وأكدت للرأي العام أنه لا يوجد موعد نهائي للإبلاغ عن الانتهاكات، في تحول واضح لموقفها.
المنظمات الموقعة:
- مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان
- المبادرة المصرية للحقوق الشخصية
- مؤسسة دعم القانون والديمقراطية
- لجنة العدالة
- الجبهة المصرية لحقوق الإنسان
- مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان
- المنبر المصري لحقوق الإنسان
- مركز النديم
- إيجيبت وايد لحقوق الإنسان
- المفوضية المصرية لحقوق الإنسان



