Skip to content

هل تكافح مصر الإرهاب أم تدفع إليه؟

أقل من دقيقة مدة القراءة: دقائق

من غير المستغرب، أن تستمر السلطات المصرية فى الانقضاض على المجال العام، وإطلاق موجات قمع تطال الجميع، ترتدي حُلّة قانونية وقضائية وتشريعية، مغلفةً بدعاية تآمرية تحت مبرر الإرهاب، للعام الثامن على التوالي، لكن الجديد أنها تُصّدر تجربتها المريرة فى صناعة الكراهية وتعميق الإقصاء والتشرذم المجتمعي، للعالم هذه المرة، وكأنها إنجاز!

فعلى غرار بروباجاندا جوزيف جوبلز، أصدرت الخارجية المصرية فى 2 أغسطس/ آب الجاري، تقريراً حول مكافحة الإرهاب لعام 2021، أكدت فى مستهله أنها تتشرف بإصداره، وأنه ثمرة تعاون بين مختلف الجهات المعنية بمكافحة الإرهاب والفكر المتطرف، متضمناً جهود وإحباط مخططات تقويض مؤسسات الدولة الوطنية..وعرض صورة واضحة – عن ما أسمته – الحقائق على الأرض، بالإضافة إلى السياسات والممارسات المثلى – من وجهة نظرها – المتبعة في مجالات مكافحة الإرهاب(!!)..

الادعاءات العشر

بعيداً عن النظرة الاستعلائية، والتي تعرض التجربة كحالة نجاح، يجب أن يلتزم كل العالم بها، تقليداً وتأطيراً وفكراً وممارسة، من منظور فكرة السبق والخبرات والاستمرارية والأستاذية، نقف على بعض ما جاء فى التقرير من أفكار وإدعاءات.

1- استمرار شيطنة جماعة الإخوان المسلمين، التي تمثل المعارضة السياسية الأبرز لنظام الرئيس عبد الفتاح السيسي، ووضعها فى بؤرة الإرهاب، حيث تنمو على أطرافها باقي الجماعات الإرهابية، والزعم، أن الجماعة منذ تأسيسها، ومن خلال المبادئ التي أرساها “سيد قطب” و”حسن البنا”، تَتَّخذ من الدين ستاراً لفرض نموذج تكفيري! ينحرف عن صحيح الدين، يشمل إسقاط مُؤسسات الدولة الوطنية.
وذلك على الرغم من تحالف العسكر والإخوان، الذي استمر منذ ثورة 25 يناير 2011 وحتى انقلاب يوليو 2013!.
2_ التأكيد على ضرورة احترام مبدأ سيادة الدول في مكافحة الإرهاب.. وتفّهم ما يتبعه من إجراءات، لدرجة اعتبار الدور الوحيد، الذي يُمكن أن يضطلع به المُجتمع المدني فى تلك الحالة !! هو دور مُكمل يدعم جهود الدولة وتحت مظلتها الرسمية وفقط!.
3_ الحديث مجدداً، عن إيجاد تعريف محدد للإرهاب وعدم استبداله بأي مُصطلحات (مغلوطة) من شأنها التمييز غير المُبرَّر بين مُختلف التنظيمات الإرهابية، فكلها إرهابية، ولا يوجد “مُتطرفة أقل عُنفاً أو غير عنيفة”.. وهو الوصف الأكثر تشدداً منذ حقبة التسعينات.
4_ ضمان مُحاسبة الدول التي ترعى الإرهاب وتحتضن عناصره !.
5- عدم الفصل أو التمييز بين العمل الإرهابي المادي وبين الفِكر أو الخطاب التحريضي المُؤدي إلى الإرهاب !! وهو المسوغ القانوني الذي يتم بموجبه التنكيل واعتقال المعارضة السياسية بكامل أطيافها.
6- منع التنظيمات الإرهابية وداعميها من استخدام وسائل الاتصال الحديثة ومواقع التواصل الاجتماعي، وإلزام الشركات المقدمة للخدمة بحذف المُحتوى التحريضي وإغلاق المواقع وتوفير بيانات المُستخدمين لتقديمها إلى جهات إنفاذ القانون!.
7- نَقل التقرير للعالم الإنجازات المزعومة التي تحققت عبر المنظومة التشريعية ومنها: التصدي للإرهاب الإلكتروني، والعقوبات التكميلية والأصلية، وتجميد الأموال والمنع من التصرف فيها، والمنع من السفر بصفة تحفظية.
8_ تحدث التقرير عن الضوابط التي من المفترض أنه يتم الإلتزام بها !! ومنها: حق المحاكمة العلنية العادلة أمام قاضي طبيعي محايد غير قابل للعزل.. وحق المتهم فى الاتصال بذويه و بمحاميه.. وحفظ كرامته وعدم تعذيبه أو ترهيبه.. وخضوع السجون وأماكن الاحتجاز للإشراف القضائي.. واستقلالية النيابة العامة!!
وكلها (أضغاث أحلام ساذجة) تدحضها التقارير الدولية، والتي توثق حالات الإخفاء القسري التي طالت الرضع، والتصفيات خارج إطار القانون، والمنع من الزيارات على مدى أعوام، والمحاكم الاستثنائية، والحبس الإنفرادي، ووضع المتهمين فى أقفاص زجاجية لحجب أصواتهم وعدم تمكينهم من الدفاع عن أنفسهم، واعتقال وترويع ذويهم، وغيرها من الجرائم التي ترقى لجرائم الحرب، أو ضد الإنسانية.
9_ تحدث التقرير عن ما أسماه الشق التوعوي الوقائي، ومبادرة الرئيس في عام 2014 لتصويب الخطاب الديني.. ودور الأزهر ومرصده ودار الإفتاء ووزارة الأوقاف فى مكافحة الإرهاب، وتجريم الإخوان عبر إجراءات ورسائل بمختلف اللغات.
10- لم يقف التقرير كثيراً أمام المواجهة الأمنية، والتي تهدف – بزعمه – لكشف هياكل الجناح المسلح للإخوان، والوقوف على مخططاته وتوجيه الضربات الاستباقية له، وقطع الدعم اللوجيستي عنه وملاحقة عناصره!! واستقدام العناصر الإخوانية الهاربة بالخارج، وغيرها.

لكن من اللافت أنه قبل صدور التقرير، بأسابيع قليلة، صدر فى 9 يونيو، تقرير وحدة مكافحة الفساد، برئاسة المستشار أحمد سعيد خليل السيسي شقيق الرئيس، وانصبت كل جهوده أيضاً، فيما دعاها استراتيجية مكافحة الإرهاب وتمويله وفقط!، دون تناول جوانب الفساد الأخرى، وكرر التقرير الإدعاء بأن مصر تحارب الإرهاب نيابةً عن العالم بأسره..

الأمم المتحدة ومنع التطرف العنيف

على النقيض من أفكار النظام المصري وخططه وتوجيهاته، دعت الأمم المتحدة فى خطة عمل لمنع التطرف العنيف، مؤرخة في 22 ديسمبر/ كانون الأول 2015 إلى اتباع نهج شامل، وخطوات وقائية منهجية، لمعالجة الظروف الأساسية التي تدفع الأفراد إلى التطرف.
وقدمت الخطة أكثر من 70 توصية إلى الدول الأعضاء لمنع زيادة انتشار التطرف العنيف.
معتبرةً أنه لاشيئ يبرّر التطرف العنيف، لكنه لا ينشأ من فراغ. ولفتت إلى أن التظلم والظلم و الوعد بالتمكين، تجد آذانا صاغية في الأماكن التي تُنتهك فيها حقوق الإنسان ولا يُكترث فيها بالحكم الرشيد وتُسحق فيها التطلعات.
وأوضحت أن المواجهة من حق الدول، لكن بشرط أن تكون متفقة مع التزاماﺗﻬا بموجب القانون الدولي، و حقوق الإنسان، وألا تتغاضى عن معالجة الظروف المؤدية إلى الإرهاب.

الدفع إلى الإرهاب

هل تلتزم مصر بداهة بمتطلبات الحكم الرشيد أو بقيم عدالة وقائية تمنع الأفراد من الإنخراط فى جماعات العنف أم تدفع ممارساتها إلى العنف.

التقارير الأخيرة للخارجية الأمريكية، تفيد أن الوضع الراهن والقمع والانتهاكات لا يهدد حقوق وكرامة المصريين فحسب، بل يؤدي أيضًا إلى إثارة التطرف وتقوية المنظمات الإرهابية، خاصة فى السجون.

وفي 2 يونيو 2021، طالب عدد من المنظمات الحقوقية بينها، كوميتي فور جستس، الرئيس السيسي، بمعالجة مخاوف هيئات الأمم المتحدة بشأن الحريات و«مسار حقوق الإنسان في مصر».
والتي تشمل الاحتجاز التعسفي لـ آلاف الأشخاص بناءً على اتهامات لا أساس لها تتعلق بالإرهاب. وإساءة استخدام «الدوائر الخاصة بالإرهاب» وقمع الصحفيين ووسائل الإعلام.
والانتقام من المدافعين عن حقوق الإنسان؛ عن طريق حظر السفر، ومنع التصرف فى الأموال، والضم لــ«قائمة الإرهابيين» .

كما أنة طبقا لاخر إحصاء لكوميتي فور جستس في متابعه قرارات الأجهزة الأمنية والقضائية المصرية في إستخدام في وضع الأشخاص المعارضين علي ما يسمي قوائم الإرهاب اتضح بان نظام الرئيس السيسي قد وضع 2775 معارض سياسي علي قوائم الإرهاب منذ العام 2015 وحتي الان وقام بالتحفظ علي 92 شركة و مصنع تعمل علي توفير فرص عمل للألاف من المواطنين المصريين كما مثل ما حدث مع رجل الاعمال ورئيس مجلس إدارة شركة جهينة صفوان ثابت و نجلة دليل واضح علي كيفيه استغلال ما يسمية النظام المصري لما يسمية مكافحة الإرهاب من استغلال للانتقام السياسي.

ومع تفشي ظاهرة الإفلات من العقاب، اتهمت منظمة “العفو” الدولية الجيش المصري فى يوم 5 أغسطس/ آب 2012، بارتكاب “جرائم مروعة باسم مكافحة الإرهاب” فى سيناء.. ودعت إلى إجراء تحقيق بشأن شريط فيديو ترويجي نشره الجيش (بنفسه) ظهر فيه : جنوده وهم ينفذون عمليات قتل خارج نطاق القضاء .. بالأعيرة النارية، ويطلقون النار على رجلٍ أعزل وهو يركض في الصحراء..
وكلها ممارسات تتعارض مع مبادئ الحكم الرشيد.

كما أن مؤشر مدركات الفساد 2020 رسم صورة قاتمة للنظام، إذ تراجعت مصر للمركز 117 بين 180 دولة ، بعد أن كانت في المركز 106 عام 2019، والمركز 105 عام 2018.

الحقيقة أن معظم دول العالم تدرك أن النظام المصري يستغل الحرب على الإرهاب شماعة لقمع المعارضين وتقنين الانتهاكات، وهم غير مقتنعين أصلاً بالرواية التي تصّدرها مصر بأن المعارضة السياسية والمنظمات الحقوقية هم العقل المدبّر للإرهاب وداعمي الإرهاب.. أو التي تضع المعارضين جميعاً فى سجلات الإرهاب.

الحرب على الإرهاب ليست صك غفران للنظام ينتهك من خلاله للأبد معايير حقوق الإنسان.. فالتطرف والقنابل البشرية ومعامل التفريخ، التي تنتجها ممارساته، داخل محاكم تفتيشه وسجونه الرسمية والأخرى غير القانونية، ربما تنفجر يوماً فى وجه العالم، مذّيلة بتقاريره السمجة.

لمزيد من المعلومات والطلبات الإعلامية أو الاستفسارات، يرجى التواصل معنا
(0041229403538 / media@cfjustice.org)

آخر الأخبار

اشترك في نشرتنا الإخبارية!

كن أول من يحصل على أحدث منشوراتنا