قالت “لجنة العدالة” إن التحايل وعدم تنفيذ نصوص القانون والأحكام القضائية يمثل العمود الفقري للأنظمة السلطوية ومؤسساتها، حيث تعتمد هذه الأنظمة على الالتفاف على القوانين وتفسيرها بشكل يضمن بقاء السلطة المطلقة في يد القلة الحاكمة، ما يحد من الحريات العامة، ويقمع أي محاولة للإصلاح أو التغيير من داخل النظام، ويخلق بيئة من الخوف والتبعية، ويسهم في استدامة الاستبداد وتآكل الثقة بين المواطنين ومؤسسات الدولة.
جاء ذلك تعليقًا على إعلان رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في تونس، فاروق بو عسكر، في 2 سبتمبر 2024، أثناء الإعلان عن القائمة النهائية للمترشحين المقبولين للانتخابات الرئاسية، إنه “تعذّر الاطلاع عن نسخ الأحكام الصادرة مؤخرًا عن الجلسة العامة القضائية للمحكمة الإدارية؛ بسبب عدم إعلام هيئة الانتخابات بها طبق القانون، في أجل 48 ساعة من تاريخ التصريح بها من طرف كتابة المحكمة الإدارية، وذلك تطبيقًا لصريح منطوق الفقرة الأخيرة من الفصل 47 من القانون الانتخابي، ورغم مراسلة المحكمة رسميًا وطلب موافاة الهيئة بتلك الأحكام في الآجال القانونية، على حد زعمه.
وأضاف “بو عسكر” أنه بُناءً على ذلك، فإن مجلس هيئة الانتخابات قرر “بعد معاينة استحالة تنفيذ القرارات المعلن عنها مؤخرًا من طرف المحكمة الإدارية، اعتبار قائمة المترشحين المقبولين المصادق عليها بمجلسه المنعقد بتاريخ 10 أغسطس 2024، قائمة نهائية وغير قابلة للطعن، والإذن بنشرها بالرائد الرسمي بالجمهورية التونسية، والتي تضم كلًا من المترشحين المقبولين نهائيًا: العياشي زمال، وزهير المغزاوي وقيس سعيّد”.
فيما أكد الناطق الرسمي باسم المحكمة الإدارية، فيصل بوقرة، أنّ المحكمة الإدارية أرسلت نسخة من منطوق الحكم الجلسة العامة القضائية للهيئة في الآجال القانونية قبل حتى الإعلام عنها للعموم، مشددًا على أنّ “عدم تنفيذ أحكام هذه الجلسة يعدّ سابقة”، على حد قوله. أيضًا صرّحت المحكمة الإدارية في بلاغها الصادر في 2 سبتمبر 2024، بأنها “تولّت تباعًا وبمجرّد التصريح بالأحكام تبليغ شهادة في منطوقها إلى طرفي النزاع”، بما لا يمكن معه التعذّر بعدم التوصّل بنص الحكم للتملّص من تنفيذه.
وأثار القرار الأخير للهيئة العليا المستقلة للانتخابات في تونس ردود فعل عارمة في المجتمع المدني بالبلاد، حيث أبدت جمعية القضاء التونسيين استغرابها الشديد مما ورد في تصريح رئيس الهيئة من ربط بين الإعلان عن أسماء المترشّحين المقبولين نهائيا للانتخابات الرئاسية؛ والاطّلاع على حيثيات الأحكام الصادرة عن الجلسة العامة.
وأكدت الجمعية على أن قرارات المحكمة الإدارية فيما يخص الطعون الانتخابية باتة وغير قابلة لأي وجه من أوجه الطعن ولو بالتعقيب، مشددة في الوقت ذاته على أن قرارات هيئة الانتخابات هي التي تخضع لرقابة المحكمة الإدارية؛ باعتبارها رقابة قضائية ضامنة لسلامة المسار الانتخابي ومؤتمنة عليه وأن المحكمة لها القول الفصل في نزاعات الترشح وإن تلك القرارات لا تعقيب عليها من هيئة الانتخابات الملزمة فقط بتنفيذها، داعية الهيئة إلى الالتزام بالقانون وتطبيق قرارات المحكمة الإدارية.
بينما أكدت القاضية التونسية ورئيسة اتحاد القضاة الإداريين، رفقة المباركي، في تصريح لها، إن “تلاعب الهيئة بفصول الدستور والقانون للوصول إلى غاية معروفة، والانقلاب على أحكام القضاء الباتة في مغالطة مكشوفة للرأي العام. فضيحة بأتم معنى الكلمة”. وتساءلت “المباركي” في تدوينة نشرتها على صفحتها بموقع فيسبوك: “عن أي استحالة تتحدث؟ المحكمة الإدارية بلغتكم بمنطوق الأحكام؛ وهذا كاف في حد ذاته بصريح الفصل 47 من القانون الانتخابي”.
كما أدانت نقابة الصحفيين التونسيين “استبعاد الهيئة لكل وسائل الإعلام من تغطية المؤتمر الصحفي للإعلان عن القائمة النهائية للمترشحين للانتخابات الرئاسية، واستغلالها للمرفق العام لخدمة هذه الأجندة الإقصائية”، معتبرة أنّ “ممارسات الهيئة تدخل ضمن خانة الضغط واستغلال التلفزة العمومية لخدمة صورتها، وتوجيه التغطية الإعلامية والحد من موضوعية وسائل الإعلام ودورها في إنارة الرأي العام والإخبار عن خلفيات القرار الأخير الذي اتخذته الهيئة”.
وتؤكد “لجنة العدالة” على أنه كما أن الهيئة العليا المستقلة للانتخابات مسؤولة- وفق الدستور ووفق قانونها الأساسي- على ضمان انتخابات ديمقراطية وحرة وتعددية ونزيهة وشفافة؛ فإن المحكمة الإدارية هي الجهة القضائية المختصة بالرقابة على كل مرحلة من مراحل المسار الانتخابي، وهي الضامن لحقوق الناخبين والناخبات والمترشّحين والمترشّحات، وهي الضامن لشرعية المسار الانتخابي ولمصداقية الانتخابات، وأن الأحكام الصادرة باسم الشعب عن جلستها العامة غير قابلة لأي وجه من أوجه الطعن وواجبة التنفيذ ولا يجوز لأي جهة أخرى- أيًا كانت- تقييمها أو التشكيك فيها أو الامتناع عن تطبيقها أو ترجيحها.
كما تشدد اللجنة على أن مثل تلك القرارات غير المدروسة الصادرة عن هيئة الانتخابات ستساهم في دخول البلاد في فوضى قانونية، وتفتح الطريق أمام تواصل النزاع القضائي في حال قضت المحكمة بإبطال قرار الهيئة، مما يجعلنا أمام انتخابات رئاسية باطلة من الناحية القانونية والدستورية.
لهذا؛ تدعو “لجنة العدالة” الهيئة العليا المستقلة للانتخابات بتونس، بوقف قرارها الأخير، وقبول الأحكام الصادرة عن المحكمة الإدارية، وإعادة المترشحين الذين تم استبعادهم، والتوقف عن العبث بالقانون وبالدولة ومرتكزاتها في إرادة واضحة لاختطاف إرادة الشعب صاحب السيادة الوحيد.