في ظلّ التحولات المتسارعة التي يشهدها سياق حقوق الإنسان في المنطقة، وما يرافقها من تضييق على الفضاء المدني وتغيّرات متواصلة في أولويات وطرق تمويل العمل الحقوقي، تواجه لجنة العدالة (CFJ) – مثل العديد من المنظمات الحقوقية المستقلة – مجموعة من التحديات المتراكمة التي أثّرت على قدرتها على الاستمرار في بعض البرامج والمشاريع بالصيغة السابقة، وفرضت عليها إعادة تقييم أولوياتها الاستراتيجية لضمان استدامة عملها الأساسي في مجالات التوثيق والمساءلة والدعم.
ضمن هذا السياق، اضطرت لجنة العدالة إلى إغلاق أو تعليق عدد من المشاريع التي كانت تنفَّذ خلال السنوات الماضية، ومن بينها المشروع المتخصص في أوضاع العمال والحقوق العمالية في مصر، وهو مشروع لعب دوراً مهمّاً في توثيق الانتهاكات الواقعة على العمال والعاملات، ورصد أوضاعهم في بيئات عمل بالغة الصعوبة. جاء هذا القرار نتيجة تداخل عدة عوامل، من بينها:
- تضييق الفضاء التشريعي والعملي أمام العمل الحقوقي المستقل في مصر والمنطقة؛
- ضغوط مرتبطة بسلامة وأمن الشركاء والمستفيدين والعاملين في الميدان؛
- تحوّلات في أولويات بعض الجهات المانحة، وما نتج عنها من فجوات تمويلية تستدعي إعادة ترتيب البرامج وفقاً للموارد المتاحة؛
- الحاجة إلى تركيز الجهود على مسارات استراتيجية أخرى، مثل التوثيق الشامل للانتهاكات الجسيمة، والعمل على الآليات الأفريقية والدولية للمساءلة.
وتؤكد لجنة العدالة في هذا الإطار ما يلي:
- أن إغلاق أو تعليق أي مشروع لا يعني التخلي عن قضاياه، بل هو إعادة توزيع للموارد والطاقات، مع الحرص على الإبقاء على ما أمكن من مكوّنات العمل البحثي والتوثيقي في الملفات ذات الأولوية، ومن بينها ملف الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وملف العمال والعمالة الهشة.
- أن ما جرى جمعه من معلومات وبيانات خلال تنفيذ مشروع العمال في مصر سيظل جزءاً من قاعدة المعرفة الخاصة باللجنة، وسيُستفاد منه في التقارير والتحليلات والمداخلات أمام الآليات الدولية والإقليمية، كلما سمحت الظروف بذلك، وبما يضمن حماية الضحايا والشهود والمصادر.
-
أن لجنة العدالة تواصل، في حدود ما تسمح به الظروف الأمنية والموارد المتاحة، إدماج قضايا العمال والحقوق الاقتصادية والاجتماعية في عملها الأوسع على مستوى:
- الرصد والتوثيق ضمن منصّاتها وأدواتها،
- المذكرات القانونية والتقارير المرفوعة إلى الآليات الأممية والأفريقية،
- المناصرة مع الشركاء المحليين والدوليين.
- أن التحديات المالية والإدارية والأمنية التي تواجه المنظمات الحقوقية المستقلة ليست شأناً خاصاً بل جزء من الهجوم الأوسع على حقوق الإنسان في المنطقة، والذي يستهدف تجفيف مصادر دعم المجتمع المدني، وإضعاف قدرته على مواصلة عمله، لا سيما في الملفات الحساسة مثل أوضاع العمال، والحقوق الاقتصادية، والحرّيات العامة.
وفي الوقت نفسه، تعمل لجنة العدالة على:
- تطوير استراتيجية مرحليةلإعادة هيكلة برامجها، بما يضمن استمرارية العمل الأساسي في التوثيق والمساءلة، مع الحفاظ – قدر الإمكان – على المقاربة الشاملة التي تربط بين الحقوق المدنية والسياسية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية؛
- البحث عن شراكات وتحالفات جديدةتتيح استئناف أو تطوير بعض المكوّنات التي تأثرت بالإغلاق، في إطار من الشفافية والاستقلالية والالتزام بالمعايير الحقوقية؛
- مواصلة المرافعة العلنيةبشأن أثر التضييق على المنظمات الحقوقية، وأثر تغيّر أولويات التمويل على حماية الضحايا والفئات الأكثر هشاشة.
إن لجنة العدالة إذ تشارك هذه المعطيات مع شركائها والرأي العام، فإنها:
- تعيد التأكيد على التزامها المبدئي تجاه الضحايا والفئات المهمّشة، بمن فيهم العمال والعاملاتالذين يواجهون انتهاكات جسيمة في غياب آليات وطنية فعالة للإنصاف؛
- وتشدد على أنها ستظل تعمل، وفق ما تسمح به الإمكانيات المتاحة، على إبقاء قضايا العمال والحقوق الاقتصادية والاجتماعية حاضرةفي أجندتها البحثية والتوثيقية ومرافعتها أمام الآليات الدولية والإقليمية؛
- وتدعو شركاءها والداعمين والمهتمين إلى مواصلة التضامن والتعاونلمواجهة هذه التحديات البنيوية، بما يضمن استمرار صوت الضحايا في أن يُسمع، واستمرار العمل من أجل العدالة وعدم الإفلات من العقاب.



