التعليق تعليق لجنة العدالة على ردود الحكومة المصرية لتوصيات الدورة الرابعة للاستعراض الدوري الشامل

في إطار الدورة الرابعة للاستعراض الدوري الشامل، شاركت الحكومة المصرية في هذه الآلية الأممية التي صُممت أساسًا كأداة للمراقبة والتقييم والتحفيز على تحسين أوضاع حقوق الإنسان من خلال الحوار الدولي الطوعي والبنّاء. إلا أن مراجعة شاملة لسلوك الحكومة المصرية خلال هذه الدورة، وردودها على التوصيات المقدمة، تكشف بوضوح أنها تعاملت مع الآلية كأداة للعلاقات العامة والبروباغندا السياسية، لا كآلية ملزمة أو محفزة للإصلاح الحقيقي. فقد سعت الدولة المصرية إلى تفريغ آلية الاستعراض من مضمونها، عبر إظهار قبول واسع للتوصيات الشكلية والعامة، ورفض أو “الإحاطة علمًا” بالتوصيات الجوهرية التي تُعد حجر الزاوية لأي تحسّن حقيقي في أوضاع الحقوق والحريات.
تجدر الإشارة إلى أن آلية الاستعراض الدوري الشامل باتت تُعد آخر آلية دولية قائمة وفعالة يلجأ إليها المجتمع الدولي في تعاطيه مع ملف حقوق الإنسان في مصر. فعلى مدار السنوات الماضية، بذل المجتمع الدولي جهودًا متعددة، حاول من خلالها الدفع نحو تحسين طوعي وفعلي للحالة الحقوقية، عبر أدوات مختلفة. من ذلك، المبادرات التي طُرحت من قبل مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان، والتي شملت مقترحات لتقديم دعم فني وتقني للحكومة المصرية في مشروع ضخم وموسع لإصلاح المؤسسات ذات الصلة بحقوق الإنسان. كذلك، اضطلعت الإجراءات الخاصة بالأمم المتحدة بدور مهم في متابعة الأوضاع من خلال مخاطبة الحكومة المصرية بشأن قضايا فردية وانتهاكات محددة، وفتح قنوات تواصل رسمية بهدف المعالجة والحوار، إضافة إلى برامج التدريب والدعم الفني المقدم لتحسين قدرات الدولة في مجالات العدالة وحقوق الإنسان.
ورغم هذه المساعي المتعددة، ظل سلوك الدولة المصرية يتسم بالمراوغة والتجاهل، لا سيما فيما يتعلق بالتوصيات التي تمس جوهر الأزمات الحقوقية في البلاد، مثل وقف انتهاكات قوات الأمن، وضمان المحاكمة العادلة، ورفع القيود عن المجتمع المدني، وضمان الحريات العامة. كما أن عدم وجود أي تقدم ملموس في المؤشرات الحقوقية الأساسية – بل وتدهورها أحيانًا – يضع علامات استفهام جدية حول صدقية تعاطي الحكومة مع التزاماتها الدولية، ويعكس نهجًا يهدف إلى امتصاص الضغوط الخارجية دون نية لإحداث تغيير فعلي.
في هذا السياق، يُظهر تحليل موقف مصر من التوصيات التي تلقتها خلال الدورة الرابعة طبيعة تعاملها الانتقائي والمراوغ مع الآلية. فبينما أعلنت الحكومة تأييدها لـ 265 توصية، وتأييدًا جزئيًا لـ 16 توصية، فقد اختارت “الإحاطة علمًا” بـ 62 توصية، وهو ما يُعد في جوهره رفضًا غير مباشر لهذه التوصيات. وبالنظر في مضمون هذه التوصيات الـ 62، نجد أنها تتناول القضايا الجوهرية التي تُشكّل اختبارًا حقيقيًا لإرادة الإصلاح السياسي والحقوقي في البلاد. فهي تشمل مطالبات بالتصديق على الاتفاقيات والبروتوكولات الدولية الأساسية مثل البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب والاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري، بالإضافة إلى دعوات لإيقاف تنفيذ عقوبة الإعدام، وضمان المحاكمات العادلة، والإفراج عن المعتقلين السياسيين، وفي مقدمتهم علاء عبد الفتاح، فضلاً عن مطالب بالتحقيق في القتل خارج إطار القانون، مثل قضية جوليو ريجيني، والاعتراف بحقوق مجتمع الميم.
إن هذا التعامل الانتقائي مع التوصيات، والتمسك بلغة دبلوماسية فضفاضة تخفي الرفض الحقيقي للإصلاح، يؤكد أن الحكومة المصرية لم تُبدِ حتى الحد الأدنى من الاستجابة السياسية أو القانونية المطلوبة من دولة عضو في مجلس حقوق الإنسان. وعليه، فإن المجتمع الدولي مطالب اليوم – أكثر من أي وقت مضى – بربط التزامات مصر في إطار الاستعراض الدوري الشامل بآليات متابعة أكثر صرامة، وإشراف دوري مستقل، وعدم الاكتفاء بالقبول الشكلي للتوصيات كدليل على التعاون أو حسن النية، في ظل استمرار الانتهاكات الممنهجة التي تطال قطاعات واسعة من الشعب المصري.