قالت “لجنة العدالة” إنها تتابع بقلق بالغ واستنكار استمرار الانتهاكات الممنهجة التي تمارسها السلطات المصرية ضد المحامية والمدافعة عن حقوق الإنسان والعضو السابق بالمجلس القومي لحقوق الإنسان بمصر، هدى عبد المنعم، والتي تُظهر نموذجًا صارخًا لما تواجهه المدافعات عن حقوق الإنسان في مصر من تعسف قانوني وممارسات تضييقية ممنهجة.
وتم مؤخرًا إحالة “عبد المنعم” إلى محكمة الجنايات على ذمة القضية رقم 800 لسنة 2019، بنفس الاتهامات التي حوكمت بسببها وقضت عقوبة مدتها خمس سنوات، وهذا الإجراء يطرح العديد من التساؤلات حول مدى التزام السلطات المصرية باحترام القوانين المحلية والدولية، كما يعكس نمطًا ممنهجًا لاستغلال القانون لإسكات الأصوات المعارضة والمدافعين عن حقوق الإنسان.
“لجنة العدالة” تعتبر أن إعادة محاكمة هدى عبد المنعم بتهم سبق وأن أُدينت بها، يشكل انتهاكًا صارخًا لمبادئ العدالة، خصوصًا أن هذا القرار يأتي بعد سلسلة من الممارسات غير القانونية التي تعرضت لها. فعلى مدار السنوات الخمس الماضية، خضعت “عبد المنعم” لسلسلة من الانتهاكات شملت اعتقالها تعسفيًا في القضية رقم 1552 لسنة 2018، ثم التحقيق معها مجددًا قبل يوم واحد فقط من انتهاء عقوبتها، وتحويلها إلى الحبس الاحتياطي على ذمة القضية رقم 730 لسنة 2020، لتصبح ضحية لما يُعرف بـ “تدوير الاعتقال – الاعتقال المتجدد”، وهو نهج تتبعه السلطات المصرية لإبقاء المعتقلين السياسيين والنشطاء الحقوقيين قيد الاحتجاز لفترات غير محدودة دون أي أسس قانونية واضحة.
وتوكد اللجنة أن هذه الممارسات لا تستند إلى أي أسس قانونية أو أخلاقية، بل تُستخدم كأداة قمعية لإطالة أمد الاحتجاز التعسفي، في خرق واضح لحقوق الإنسان التي تكفلها المواثيق الدولية، ومنها العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. هذه الانتهاكات تُظهر كيف يتم استغلال القضاء والحبس الاحتياطي بشكل ممنهج في مصر لقمع الأصوات الحقوقية المستقلة وإغلاق المجال العام.
وعلى الجانب الإنساني، توضح “لجنة العدالة” أن الوضع الصحي للمحامية هدى عبد المنعم، يُشكل مصدر قلق بالغ، حيث تعرضت على مدار فترة احتجازها الطويلة لعدد من المشكلات الصحية الخطيرة التي تفاقمت نتيجة سوء ظروف الاحتجاز. وتعاني “عبد المنعم” من ضمور في الكلى اليسرى، جلطات متكررة، خشونة شديدة في الركبة، أزمات صدرية مزمنة، والتهاب مستمر في الأذن الوسطى، وكل ذلك في ظل غياب كامل للرعاية الطبية المناسبة. وهذه الممارسات لا تمثل فقط إهمالًا طبيًا جسيمًا؛ بل ترقى إلى مستوى التعذيب النفسي والجسدي، حيث تُترك المعتقلة تعاني من الألم وتدهور حالتها الصحية بشكل متعمد لإضعافها وإجبارها على التراجع عن نشاطها الحقوقي.
وتشدد “لجنة العدالة” على أنها لم تترك هذه القضية دون متابعة، حيث قامت بالتواصل مع عدد من الآليات الأممية المختصة بحقوق الإنسان، بما في ذلك المقررة الخاصة بالمدافعين عن حقوق الإنسان، وفريق الاعتقال التعسفي التابع للأمم المتحدة. ففي عام 2021، أصدر فريق العمل المعني بالاعتقال التعسفي، رأيًا قانونيًا واضحًا يعتبر احتجاز هدى عبد المنعم، تعسفيًا وغير قانوني.
وأكد الفريق أن احتجازها يندرج ضمن ثلاثة أنواع من الانتهاكات: غياب الأساس القانوني للاعتقال، الحرمان الناتج عن ممارسة حقوقها الأساسية، وعدم توفير ضمانات المحاكمة العادلة. كما أوصى الفريق بإطلاق سراحها الفوري وغير المشروط، وتعويضها عن الأضرار النفسية والمادية التي لحقت بها، وإجراء تحقيق مستقل في ملابسات احتجازها التعسفي.
ورغم صدور هذه التوصيات الأممية؛ إلا أن السلطات المصرية لم تتخذ أي خطوات لتنفيذها، وهو ما يعكس تجاهلًا متعمدًا للالتزامات الدولية، واستمرارًا للنهج القمعي الذي يهدف إلى تقييد الحريات الأساسية وإغلاق الفضاء المدني، وهذا التجاهل لا يُعد انتهاكًا لحقوق “عبد المنعم” فقط؛ بل يشكل تهديدًا خطيرًا لجميع المدافعين عن حقوق الإنسان في مصر الذين يواجهون نفس المصير من الاعتقال التعسفي، والتدوير القانوني، والإهمال الطبي الممنهج.
وفي ظل هذه الممارسات، تطالب “لجنة العدالة” السلطات المصرية بالإفراج الفوري وغير المشروط عن المحامية والمدافعة عن حقوق الإنسان، هدى عبد المنعم، مع توفير الرعاية الطبية اللازمة لها، ووقف جميع أشكال الاعتقال المتجدد التي تُمارس ضدها وضد غيرها من المدافعين عن حقوق الإنسان، كما تدعو اللجنة بإجراء تحقيقات شفافة ومستقلة في كافة الانتهاكات التي تعرضت لها، بما في ذلك احتجازها التعسفي وإهمالها طبيًا، ومحاسبة المسؤولين عن هذه الانتهاكات.
وتناشد اللجنة المجتمع الدولي، والمنظمات الحقوقية الدولية، والآليات الأممية، بمواصلة الضغط على السلطات المصرية لإجبارها على احترام التزاماتها الدولية المتعلقة بحماية حقوق الإنسان، وضمان محاسبة منتهكي هذه الحقوق، مع التأكيد على أهمية التضامن الدولي مع المدافعين عن حقوق الإنسان في مصر، الذين يواجهون حملات قمعية متصاعدة تهدف إلى إسكاتهم ومنعهم من ممارسة نشاطهم الحقوقي المشروع.
إن قضية هدى عبد المنعم ليست مجرد قضية فردية؛ بل هي مرآة تعكس الوضع المتدهور لحقوق الإنسان في مصر. واستمرار هذه الانتهاكات دون محاسبة يُشكل تهديدًا خطيرًا للمجتمع المدني بأكمله، وللحقوق والحريات الأساسية التي كفلتها الدساتير والقوانين الوطنية والاتفاقيات الدولية. وختامًا، تجدد “لجنة العدالة” دعوتها للسلطات المصرية بالتوقف عن هذه السياسات القمعية، وفتح المجال العام للحوار المدني، والالتزام بمبادئ العدالة وسيادة القانون.