قالت “لجنة العدالة” إن أوضاع السجون ومقار الاحتجاز في مصر تشهد تدهورًا مستمرًا، في ظل الانتهاكات الممنهجة التي تُمارس ضد المحتجزين بشكل عام، والمحتجزين على ذمة قضايا سياسية بشكل خاص، مؤكدة أن السجون أصبحت بيئة قاسية لا تحترم أدنى حقوق الإنسان، حيث يتعرض المعتقلون لأشكال متعددة من التعذيب النفسي والجسدي، فضلاً عن الإهمال الطبي والتضييق على الزيارة، وأن هذه الانتهاكات تزداد وتيرتها بشكل مستمر، خاصة مع تصاعد حالات الاعتقال التعسفي لأفراد من مختلف التيارات السياسية المعارضة.
يأتي ذلك في أعقاب إعلان عدد من المحتجزين السياسيين داخل مركز الإصلاح والتأهيل في العاشر من رمضان 6، عن بدء إضرابهم عن الطعام؛ احتجاجًا على استمرار حبسهم الاحتياطي دون مبرر قانوني، وسوء أوضاع احتجازهم، بعد مطالبات للنائب العام المصري المستشار محمد شوقي، بالانتقال الفوري إلى السجن لتفتيش المرافق والتحقق من أحوال كافة المحتجزين، وسماع شكاواهم، والتحقيق في الشكاوى المرفوعة ضد إدارة السجن، وذلك بعدما رفضت كل من نيابة أمن الدولة ودائرة الإرهاب الأولى بمحكمة جنايات القاهرة، الاستماع إلى شكاوى المحتجزين أو إثباتها أثناء جلسات تجديد الحبس الاحتياطي الأسبوع الماضي.
ومركز الإصلاح والتأهيل في العاشر من رمضان 6، والذي يقع في محافظة الشرقية، أصبح مركزًا للاحتجاز السياسي في مصر، ويشهد أوضاعًا مأساوية حسب شهادات لمحتجزين فيه وأسرهم، حيث يعاني المحتجزون سياسيًا في هذا المركز من ظروف احتجاز قاسية وغير إنسانية، فيُحرمون من حقوق أساسية مثل؛ تلقي زيارات كافية، والتعرض للتريض اليومي، والحصول على رعاية صحية لائقة.
وفي سياق هذه الظروف، أعلن عدد من المحتجزين سياسيًا إضرابهم عن الطعام منذ الرابع من يناير/ كانون الثاني الجاري؛ احتجاجًا على استمرار حبسهم الاحتياطي بدون مبرر قانوني. في حين بدأ آخرون في الامتناع عن استلام الوجبات المقررة لهم في السجن كوسيلة للضغط على السلطات لتلبية مطالبهم المشروعة.
وتتلخص مطالب المحتجزين في عدة نقاط أساسية، من ضمنها:
1- الإفراج عن المحتجزين الذين تجاوزت مدة حبسهم الاحتياطي ستة أشهر.
2- استعادة مدة الزيارة لتصبح ساعة كاملة بدلاً من 20 دقيقة فقط، وهو ما يعد مخالفة واضحة لقانون تنظيم السجون الذي يكفل للمحتجزين احتياطيًا حق الزيارة لمدة ساعة أسبوعيًا.
3- تحسين ظروف التفتيش ليصبح التفتيش إنسانيًا وغير مهين.
4- تمكين المحتجزين من الخروج يوميًا للتريض في الشمس، وهو حق مكفول بموجب القانون.
5- عزل ضابط الأمن الوطني المتواجد بالسجن؛ بسبب ما يُقال عن دوره في التسبب في إهانة المحتجزين.
6- إتاحة قناة إخبارية داخل الزنازين؛ لضمان اطلاع المحتجزين على آخر المستجدات.
7- تحسين جودة الطعام الذي يتم تقديمه للمحتجزين، بما يتماشى مع المعايير الصحية.
وفيما يتعلق بالاحتجاجات القانونية، امتنع عدد من المحتجزين عن حضور جلسات تجديد الحبس الاحتياطي أمام محكمة جنايات القاهرة في 8 يناير، بينما أدار آخرون ظهورهم للكاميرا رافضين المشاركة في الجلسات عبر خاصية “الفيديو كونفرنس”؛ وذلك اعتراضًا على استمرار حبسهم احتياطيًا على ذمة قضايا سياسية دون مبررات قانونية. ورغم هذه الاحتجاجات الواضحة، رفض القاضي، المستشار غريب محمد، إثبات الواقعة أو التحقيق في أسباب رفض المحتجزين حضور الجلسة، وانتهت الجلسة بتجديد حبس كافة المعتقلين المعروضين، سواء حضروا الجلسة أم لم يحضروا.
وفي يوم 9 يناير، وفي جلسة أخرى أمام نيابة أمن الدولة، رفض أحد المحتجزين (الذي يبلغ من العمر 67 عامًا) المشاركة في الجلسة عبر “الفيديو كونفرنس”، وأبلغ وكيل النيابة بأنه سينضم إلى الإضراب عن الطعام احتجاجًا على حبسه احتياطيًا دون مبررات قانونية وسوء أوضاع احتجازه.
وهذه الاحتجاجات والانتهاكات تسلط الضوء على تدهور الأوضاع داخل سجون ومراكز الاحتجاز في مصر، وهو ما يثير القلق على حياة وسلامة المحتجزين، ويفرض على السلطات المصرية احترام حقوق المحتجزين والتقيد بالقوانين والاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان.
تجدر الإشارة إلى أن هذه المطالب تتماشى مع الدعوات المستمرة من قبل المجتمع الدولي لتحسين أوضاع السجون في مصر. فقد دعت عدة آليات أممية؛ بما في ذلك المقررين الأمميين المعنيين بحقوق الإنسان، إلى ضرورة تحسين ظروف الاحتجاز في البلاد.
ففي تقرير الفريق العامل المعني بالاحتجاز التعسفي في عام 2022، أشار المقررون إلى أنه يجب على السلطات المصرية اتخاذ إجراءات فورية لتوفير بيئة احتجاز آمنة وصحية لجميع المحتجزين، بما في ذلك تحسين ظروف السجون ومراكز الاحتجاز، وتوفير الرعاية الصحية اللازمة، وضمان حقوق المعتقلين في التواصل مع محاميهم وأسرهم.
وفي هذا السياق، طالب أيضًا المقرر الخاص المعني بالتعذيب في تقريره السنوي لعام 2021، السلطات المصرية بالتحقيق في جميع حالات التعذيب وسوء المعاملة التي تحدث في السجون، بما في ذلك مراكز الاحتجاز؛ مثل سجن العاشر من رمضان. وأكد المقرر الخاص على أن الأوضاع المزرية في السجون المصرية تمثل انتهاكًا خطيرًا لحقوق السجناء، بما في ذلك حقوقهم في المعاملة الإنسانية، وعدم التعرض للتعذيب أو المعاملة القاسية، وهو ما يفرض على الدولة اتخاذ خطوات فورية لضمان ظروف احتجاز تتماشى مع الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان.
كما نددت المقررة الخاصة بحرية التعبير بتقييد حرية المعتقلين في التواصل مع العالم الخارجي، وأكدت على ضرورة إتاحة حق السجناء في التعبير عن آرائهم، بما في ذلك من خلال الاتصال المنتظم مع محاميهم وأسرهم، وعدم تعرضهم لأي تهديدات أو ممارسات تعسفية.
واستمرارًا لهذه المطالبات، تؤكد “لجنة العدالة” على تضامنها الكامل مع المحتجزين بداخل مركز الإصلاح والتأهيل في العاشر من رمضان 6 في إضرابهم عن الطعام، وتجدد دعوتها للسلطات المصرية بالتحقيق الفوري في شكاوى المحتجزين، واتخاذ الإجراءات اللازمة لتحسين أوضاعهم، وتنفيذ مطالبهم المشروعة والإنسانية. كما تحث اللجنة على الإفراج عن المحتجزين الذين تجاوزت مدة حبسهم الاحتياطي المدة القانونية، والالتزام بالمعايير الدولية لحقوق الإنسان في جميع مقار الاحتجاز والسجون في مصر.