منذ الخامس من مارس 2023، وحتى اليوم، مرا عامين على الأحكام الجائرة الاستثنائية الصادرة من محكمة الجنايات أمن دولة طوارئ، وفق أحكام قانون الطوارئ والذي استمرت محاكمة نشطاء ومدافعين عن حقوق الإنسان يعملون على دعم ضحايا الإخفاء القسري والتعذيب وعقوبة الإعدام وانتهاكات أخرى في مصر وفقه؛ رغم رفع حالة الطوارئ عن القطر المصري.
ويبلغ عدد هؤلاء المدافعين 31 ضحية (24 من الذكور، و7 من الإناث)، من بينهم 14 محبوسون في القضية رقم 1 لسنة 2021 جنايات أمن دولة طوارئ، والمقيدة برقم 1552 لسنة 2018 حصر أمن دولة عليا، والمقيدة برقم 703 لسنه 2021 جنايات كلي القاهرة الجديدة، والمعروفة إعلاميًا بقضية “التنسيقية المصرية للحقوق والحريات”، وتراوحت الأحكام ضدهم، بين؛ السجن المؤبد لـ 17 منهم، والسجن المشدد 15 عام لـ 7 آخرين، والسجن المشدد 10 سنوات لـ 4 من الضحايا منهم، والسجن المشدد 5 سنوات لـ 2 منهم، والبراءة لضحية واحدة فقط، مع وضع المحكوم ضدهم تحت المراقبة لمدة خمس سنوات بعد انتهاء مدة العقوبة، وإدراجهم على قوائم الإرهاب.
وفي خلال 4 سنوات و5 أشهر، شهدت القضية انتهاكات فجة وممارسات انتهكت معايير المحاكمة العادلة بدءًا من الحملة الأمنية التي شنتها وزارة الداخلية المصرية على مدافعين عن حقوق الإنسان، طلاب، ومحامين في أكتوبر 2018، وقامت بتوقيف والقبض على الضحايا بُناءً على تحريات من الرائد محمد عبد السلام، ضابط بقطاع الأمن الوطني، ومباشرة النيابة التحقيق معهم واتهامهم وأخرين باتهامات عدة، منها؛ “الانضمام إلى جماعة إرهابية مع العلم بأغراضها، تمويل تلك الجماعة وارتكاب جريمة من جرائم تمويل الإرهاب، إذاعة أخبار كاذبة في الخارج والداخل لتنفيذ أغراض تلك الجماعة”، وظلت جلسات التجديدات تتعاقب بذات القرارات وهي؛ استمرار حبس المتهمين فيما عدا متهمتان تم إخلاء سبيلهما، واستمر حبس المتهمين على ذمتها لمدة تجاوزت العامين ونصف. حتى بدأت نيابة أمن الدولة العليا في استدعاء بعض من المتهمين في القضية لاستكمال التحقيقات معهم في مايو 2021، لتتم إحالتهم إلى محكمة جنايات أمن دولة طوارئ وفقًا للقرار الصادر من المستشار خالد ضياء، المحام العام بنيابة أمن الدولة العليا، بتاريخ 23 أغسطس 2021، وحتى صدور حكم غير قابل للطعن في مارس 2023، ما يزال الظلم بحقهم مستمر، وسط تغييب متعمد لمبادئ القانون الدولي والمصري؛ فيما يبدو بوضوح انتقامًا من دورهم الفعال في المجال الحقوقي بمصر.
واجه المتهمون في تلك القضية عدة انتهاكات، من ضمنها؛ التعذيب، حيث تعرض ١٤ من المتهمين بها من أصل ١٦ متهمًا للتعذيب، كذلك تعرض ١٥ متهمًا للاختفاء القسري، و 7 منهم صدر ضدهم قرار بالتحفظ عليهم وفقًا للمادة 40 من قانون الإرهاب رقم 94 لسنة 2015، والأخرين تم تزوير محاضر ضبطهم من مأموري الضبط القائمين عليهم؛ بأن تم إثبات تواريخ مخالفة لما أثبته المتهمين بأقوالهم بالتحقيقات، بل وقدم دفاعهم برقيات بجلسات التحقيقات لإثبات التاريخ الفعلي للقبض عليهم دون أن تلتفت النيابة العامة لذلك، كما منع العديد من المتهمين من الحصول على رعاية صحية مناسبة لحالتهم؛ ما تسبب بإحداث أضرار جسيمة بحالات البعض منهم الصحية بسبب سوء الأوضاع التي يُلاقوها بمقرات الاحتجاز.
بتحليل فريق المحاكمات العادلة بـ “لجنة العدالة” على ملفات استجواب الشهود، وبتحليل أقوال جميع الضباط من مأموري الضبط أو مجري التحريات؛ تبين عدم جدية التحريات ومكتبيتها، فلم يفصح أي منهم على مصدر تحرياتهم أو المدة الزمنية التي استغرقتها تلك التحريات أو أفراد المأمورية التي صحبتهم آنذاك.
كذلك شهدت التحقيقات تقاعس النيابة العامة عن التحقيق في الانتهاكات التي نادى بها المتهمون بجلسات التحقيقات وما تلاها من جلسات أمر حبس، دون أن تلتفت النيابة لأقوالهم أو لطلبات محاميهم المثبتة بأوراق التحقيقات.
يضاف لذلك؛ أنه تم التحقيق مع ٤ من الضحايا منهم في غيبة محام، كما تعرض متهمون لممارسة “تدوير الاعتقال”، كما تخطي إحدى عشر متهمًا من الستة عشر مدة حبسهم الاحتياطي الثلاثة سنوات، كما تعرض الأستاذ عزت غنيم، مدير “التنسيقية المصرية للحقوق والحريات”، للتدوير متخطيًا مدة الحبس الاحتياطية له منذ القبض عليه الثلاثة سنوات وتسعة أشهر، أي ما يقارب الأربعة أعوام من الحبس الاحتياطي.
وأخيرًا حوكموا جميعًا أمام محكمة استثنائية تفتقر لأدنى معايير المحاكمات العادلة المعترف بها دوليًا؛ وهي محكمة جنايات أمن دولة طوارئ، ما يؤكد استهداف السلطات المصرية لهم بسبب عملهم الحقوقي.
فالأحكام صدرت عن محكمة استثنائية، أحكامها نهائية لا نقض فيها، أي أنها تفتقد معايير المحاكمات العادلة، كما تنتقص من حق المدانين في التقاضي؛ بأن ألغت درجة من درجات التقاضي، وهي محكمة النقض. كذلك فإن عقد المحاكمة داخل مجمع سجون بدر، هو عصف باستقلالية القضاء، ودليل على جور السلطة التنفيذية على القضاء، كما أنها لا توفر للمتهمين الحق في التقاضي بشكل طبيعي أمام قاض طبيعي.
ويقضى المحكوم عليهم فترة محكوميتهم في ظروف غير إنسانية؛ من منع من الزيارة، وحبس انفرادي، ومنع الرعاية الصحية، والتدوير، والعديد من الانتهاكات. فعند انتهاء محكومية المحامية والمدافعة عن حقوق الإنسان هدى عبد المنعم، وهي محامية بالنقض والدستورية العليا وعضوة سابقة بالمجلس القومي لحقوق الإنسان، تبلغ من العمر 66 عامًا، ومحكوم عليها بالسجن المشدد 5 سنوات، فوجئت بالامتناع عن إطلاق سراحها وتدويرها في 1 نوفمبر 2023، على ذمة القضية رقم 730 لسنة 2020 حصر أمن الدولة العليا، حيث أُعيد حبسها احتياطيًا دون إطلاق سراحها. وفي 17 نوفمبر 2024، تم تدويرها للمرة الثانية، أثناء وجودها قيد الحبس الاحتياطي على ذمة القضية الثانية، وتم إدراجها على ذمة القضية رقم 800 لسنة 2019 حصر أمن الدولة العليا، وما زالت قيد الحبس الاحتياطي.
وأعربت “لجنة العدالة” وقتها، عن استغرابها من تدوير “عبد المنعم” على قضية جديدة باستخدام الاتهامات نفسها، وهو ما يخالف القاعدة القانونية بأنه “لا يجوز محاكمة الإنسان عن ذات الاتهامات التي سبق محاكمته وعقابه عليها”، وذلك وفقًا للمادة ١٠١ من قانون الإثبات، والمادة ١١٦ من قانون المرافعات المصريين.
وفي 18 نوفمبر 2024، حققت نيابة أمن الدولة مع الناشطة الحقوقية عائشة الشاطر، في القضية ٨٠٠ لسنة ٢٠١٩ أمن دولة، حيث وجهت لها اتهامات بالانضمام إلى جماعة غير قانونية أثناء وجودها داخل السجن! وأتت هذه الاتهامات في الوقت الذي كانت تنفذ فيه حكمًا بالسجن في قضية أخرى، مع احتمالية إحالة القضية الجديدة إلى المحاكمة قريبًا!
وفي هذا السياق؛ تناولت عددًا من آليات الأمم المتحدة الخاصة وقائع الانتهاكات الجسيمة المرتبطة بهذه القضية، حيث أصدرت ثلاث مكاتبات رسمية موجهة إلى السلطات المصرية بين مايو 2023 ويناير 2025، عبّرت خلالها عن قلقها العميق إزاء المحاكمات غير العادلة التي تعرض لها المحامون والمدافعون عن حقوق الإنسان والناشطون المشمولون بهذه القضية، وأبرزت فيها العديد من الانتهاكات الممنهجة التي طالتهم.
ففي 24 مايو 2023، أعربت الإجراءات الخاصة للأمم المتحدة عن قلقها إزاء الأحكام المشددة الصادرة ضد كل من المحامية والمدافعة هدى عبد المنعم، والناشطة الحقوقية عائشة الشاطر، والمحامي محمد أبو هريرة، مشيرة إلى تعرضهم للإخفاء القسري، والتعذيب، وحرمانهم من الرعاية الصحية، ومثولهم أمام محاكم استثنائية تفتقر لضمانات المحاكمة العادلة، مع إدراجهم تعسفيًا على قوائم الإرهاب.
وفي 22 يناير 2024، وثّقت الآليات الخاصة ممارسات “التدوير” التي طالت الأستاذة هدى عبد المنعم، حيث تم إعادة حبسها على ذمة قضايا جديدة بنفس الاتهامات السابقة، بالمخالفة الصريحة لمبدأ عدم محاكمة الشخص عن الفعل ذاته مرتين، كما رُصدت الانتهاكات المتعلقة بحرمانهما من العلاج والرعاية الصحية الملائمة، وتعرضها للاحتجاز في ظروف قاسية وغير إنسانية.
وفي 8 يناير 2025، أعادت الآليات الخاصة التأكيد على خطورة هذه الانتهاكات، مبدية قلقها من استمرار تدوير الأستاذة هدى عبد المنعم، والناشطة عائشة الشاطر، باستخدام ذات التهم الأمنية المكررة، ما يمثل انتهاكًا لمبدأ عدم ازدواجية العقاب، فضلاً عن الإهمال الطبي المتعمد والتعذيب وسوء المعاملة أثناء الاحتجاز، والذي يرتقي لمستوى المعاملة القاسية واللاإنسانية.
ودعت الآليات في هذه التقارير السلطات المصرية إلى الإفراج الفوري وغير المشروط عن كافة المدافعين عن حقوق الإنسان المعتقلين تعسفيًا، وإنهاء ممارسات الحبس الاحتياطي الممتد والتدوير، وضمان امتثال الإجراءات القضائية للمعايير القانونية الوطنية والدولية؛ وخاصةً أحكام العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.
إن مجال العمل الحقوقي في مصر أصبح مُهددًا بعد الاستهداف المتكرر للمدافعين عن حقوق الإنسان، بما يتعارض مع الإعلان الخاص بحق ومسؤولية الأفراد والجماعات وهيئات المجتمع في تعزيز وحماية حقوق الإنسان.
وتؤكد “لجنة العدالة” على خطورة الوضع الحالي للمدافعين عن حقوق الإنسان وما يتعرضون له من أخطار وانتهاكات، من؛ اعتقالات وإخفاء قسري ومنع من السفر وتلفيق قضايا واتهامات باطلة وملفقة لهم، وغيرها من الانتهاكات.
وتطالب “لجنة العدالة” السلطات المصرية بالوفاء بالتزاماتها طبقًا للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية؛ بوقف سياسات الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري ضد النشطاء والمحامين الحقوقيين والصحفيين وغيرهم، وخلق المساحة الآمنة التي تمكن المدافعين عن حقوق الإنسان من أداء عملهم دون خوفٍ على حريتهم أو سلامتهم الشخصية.
كما تطالب “لجنة العدالة” بمراجعة التشريعات التي تحد من قدرة المجتمع المدني المصري، وتسمح بتدخل السلطات الأمنية في عمل منظمات المجتمع المدني، مع ضرورة فتح أفق الحوار بين النظام في مصر وتلك المنظمات؛ باعتبارها رافدًا أساسيًا في متابعة أوضاع حقوق الإنسان في مصر، وضامن مهم لعدم انتهاكها.
كذلك تدعو اللجنة السلطات المصرية لوقف الأحكام المجحفة الصادرة ضد المتهمين في قضية “التنسيقية”، وإطلاق سراحهم كافة دون تمييز، وكذا إسقاط التهم التي وجهت لهم، ووقف استهدافهم المتعمد، وتوفير المناخ الآمن والملائم لهم لممارسة عملهم الحقوقي والقانون السلمي والمشروع.
لجنة العدالة
مارس 2025