قالت “لجنة العدالة” إن استمرار عمليات القتل خارج إطار القانون وتصاعد حالات الوفيات داخل مقار الاحتجاز والسجون في مصر نتيجة للإهمال الطبي المتعمد أو سوء أوضاع الاحتجاز، والتي صارت سياسة ممنهجة لدى الأجهزة الأمنية المصرية منذ أحداث 2013، هي ناقوس خطر يشير إلى تعمق أزمة حقوق الإنسان في البلاد، حيث يتم استخدام القوة المفرطة والإهمال الطبي كأدوات للعقاب والقمع ضد المحتجزين والمعارضين لتوجه السلطات بشكل عام، سواء في أماكن الاحتجاز غير الرسمية أو داخل السجون النظامية.
يأتي ذلك عقب رصد اللجنة تفاصيل صادمة لحادثة تصفية الشابين يوسف السرحاني وفرج رباش الفزاري، خارج نطاق القانون في محافظة مطروح، يوم الجمعة الموافق 11 أبريل/ نيسان الجاري، وذلك بعد توجيه شيخ أحد قبائل مطروح ويُدعى نصر الله جميل عبد الرسول القطعاني، نداء استغاثة كشف فيه تفاصيل الانتهاك الصارخ لحقوق الإنسان الذي تم بحق الضحيتين.
ووفقًا لنداء “القطعاني”، فتم تسليم الشابين للمقدم عادل الشيمي، مدير مكتب الأمن الوطني في السلوم، في قرية أبو زريبة (30 كم غرب السلوم)، للتحقيق معهما بسبب اشتباه غير مؤكد بصلتهما بحادثة “النجيلة” – والتي راح ضحيتها 4 من رجال الأمن أثناء مطاردة لأحد تجار المخدرات المطلوبين-؛ لكن المفاجأة الصادمة كانت تصفية الشابين بدم بارد بعد فترة وجيزة من استلامهما، دون محاكمة أو أي اعتبار للقانون أو الإنسانية.
وعندما استفسر “القطعاني” عن مصيرهما، رد عليه المقدم “الشيمي” ببرود، حسب وصفه: “الأمر خارج عن إرادتي، وقد سلمتهم لضباط من الوزارة”، ما يؤكد تورط أجهزة أمنية عليا في عملية التصفية خارج إطار القانون.
عقب ذلك قام “القطعاني” بإطلاق نداء استغاثة إلى مشايخ وعمد ونواب وشباب قبائل مطروح ومصر كافة، قائلاً: “هل هذه هي الأمانة؟ هل هذه هي الدولة؟ هل أصبحت أرواح شبابنا تُصفى بهذه البساطة؟! أناشد جميع الشرفاء الوقوف معي ليس من أجلي فقط؛ بل من أجل الحق، حتى لا يتكرر هذا الظلم”.
من ناحيتها، تشدد “لجنة العدالة” على أن الحادثة تأتي في إطار سياسة الداخلية المصرية الممنهجة لتصفية الخصوم أو المشتبه بهم دون محاكمة، خاصة في المناطق النائية مثل مطروح، حيث تتعمد الأجهزة الأمنية التعتيم الإعلامي وعدم الإفصاح عن الحقائق.
كما توضح اللجنة أن الضحيتان لم يشكلا أي تهديد في لحظة القبض عليهما، كما أنه لم يتم إبلاغ عائلتهما رسميًا بظروف القتل، ولا يوجد أي تحرك قضائي واضح لمحاسبة المسؤولين.
يشار إلى أن عمليات التصفية خارج إطار القانون ليست بمستغربة ولا جديدة على الأجهزة الأمنية في مصر، والتي مُنحت “ضوء أخضر” من القيادة السياسية في فعل ما تشاء في المعارضين والخصوم السياسيين منذ تصاعد أحداث 2013، عقب عزل الرئيس المدني المنتخب آنذاك، محمد مرسي، ومثال على ذلك؛ العملية “سيرلي”، التي تم إطلاقها في عام 2021، بزعم مواجهة الإرهاب وضبط الحدود الغربية، والتي شهدت تصاعدًا ملحوظًا في انتهاكات حقوق الإنسان.
فوفقًا لتقارير موثوقة ساهمت “لجنة العدالة” في نشرها، فإن هذه العملية لم تقتصر على استهداف عناصر إجرامية أو إرهابية فقط؛ بل تم استخدامها كغطاء لتصفية حسابات سياسية مع قبائل ومناطق يتم تصنيفها على أنها “مشتبه بها”.
كذلك رصدت ووثقت اللجنة حالات متعددة لتصفية أفراد من قبائل مطروح والصحراء الغربية دون أي تحقيق قضائي أو سند قانوني، حيث يتم تنفيذ عمليات الإعدام خارج نطاق القانون تحت ذريعة “تبادل إطلاق النار” أو “المقاومة المسلحة”، وهذه العمليات لا تستند إلى أدلة واضحة وتترك أسر الضحايا دون أي حق في المساءلة أو التعويض.
لذلك؛ تطالب “لجنة العدالة” بتشكيل لجنة تحقيق مستقلة من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة أو آلية معتمدة للنظر في جرائم القتل خارج إطار القانون وجرائم الإعدامات الميدانية التي حدثت في مصر في الفترة من 2014 وحتى 2019، وكذلك حالات الوفاة بداخل أقسام الشرطة وأماكن ومقار الاحتجاز، والتعذيب على يد وزارة الداخلية في الفترة من 2013 إلى الآن، وذلك لأن النظام القضائي في مصر ليس مستقلاً ولا يمكن الاعتماد عليه في إنجاز تحقيق شفاف ومحايد في مثل هذه القضايا.
كما تدعو اللجنة لإعادة جثامين الضحايا إلى عائلاتهم لدفنها بشكل لائق وفقًا للأعراف السائدة، وحثت السلطات المصرية على وقف سياسة التصفيات خارج إطار القانون والالتزام بقواعد الاشتباك المعترف بها في القانون الدولي.