قالت “لجنة العدالة” إنه ما تزال تواجه ليبيا أزمة حقوق إنسان عميقة ومتفاقمة على الرغم من مرور أكثر من عقد على ثورة 2011؛ فاستمرار الصراع المسلح وانهيار المؤسسات وانتشار الإفلات من العقاب؛ كل ذلك ساهم في تصاعد الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، خاصة مع استهداف المدافعين عن حقوق الإنسان والصحفيين والمهاجرين ومنظمات المجتمع المدني في البلاد.
وكانت اللجنة قدمت تقريرًا موازيًا لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بجنيف، ضمن آلية الاستعراض الدوري الشامل (UPR)لليبيا، وذلك خلال دورة المجلس الرابعة المقرر انعقادها في عام 2025، حيث ركز التقرير على استمرار السلطات الليبية في انتهاك التزاماتها بموجب القانون الدولي، بما في ذلك؛ العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية واتفاقية الأمم المتحدة ضد التعذيب، وأيضًا فشلها في تنفيذ أي إصلاحات ذات مغزى منذ الدورات السابقة للاستعراض الدوري الشامل لها؛ ما أدى إلى تفاقم الأوضاع الحقوقية في البلاد.
كذلك سلط التقرير الضوء على حالات الاختفاء القسري والاعتقالات التعسفية التي تستهدف بشكل خاص الناشطين الحقوقيين، مثل؛ قضية السياسية المنتخبة سهام السرقيوة، التي لم يتم الكشف عن مصيرها حتى الآن. ومن جهة أخرى؛ أدان التقرير التعميم رقم 5803 الصادر في عام 2023، عن السلطات الليبية، والذي قضى بإلغاء تراخيص جميع المنظمات غير الحكومية المسجلة منذ عام 2011، ما شكل انتهاكًا واضحًا للالتزامات الدولية لليبيا المتعلقة بحرية تكوين الجمعيات.
وأشار التقرير إلى الظروف اللاإنسانية داخل مراكز الاحتجاز، والتي يتعرض فيها المهاجرون واللاجئون للتعذيب والانتهاكات الجنسية والابتزاز والاتجار بالبشر على نطاق واسع، مع التأكيد على أن هذه الانتهاكات تحدث في مراكز تديرها جماعات مسلحة وجهات رسمية ليبية، مع غياب كامل لأي نوع من الرقابة أو المساءلة.
كذلك وثقت اللجنة شهادات مؤلمة حول عمليات التعذيب الوحشية، مثل حالة الشاب اليمني الذي تعرض للضرب المبرح بعد زيارته من قبل ممثلين عن القنصلية اليمنية في ليبيا، حيث تم استخدام العنف ضده بشكل ممنهج داخل مركز اعتقال تديره قوات الردع.
وأبرز التقرير أيضًا الانتهاكات المرتكبة ضد المهاجرين، والتي تشمل؛ التعذيب الممنهج، الحرمان من الغذاء والماء والاحتجاز في ظروف غير إنسانية، حيث وثقت بعثة تقصي الحقائق الأممية المستقلة بشأن ليبيا أدلة واسعة النطاق على أن الجرائم ضد الإنسانية تُرتكب بحق المهاجرين داخل مراكز الاحتجاز، بما في ذلك الاغتصاب، العبودية والاختفاء القسري.
وفيما يتعلق بتقييد حرية التعبير والحركة؛ أشار التقرير إلى أن السلطات الليبية تعتمد على تشريعات غامضة تستهدف تجريم النقد والتعبير السلمي، حيث تم استخدام مواد في قانون العقوبات الليبي لتجريم “التشهير” و”نشر المعلومات الكاذبة”، ما أدى إلى انتشار الرقابة الذاتية بين الصحفيين والنشطاء.
كما أن نقاط التفتيش المنتشرة في أنحاء البلاد تُستخدم لاستهداف الناشطين والمحامين والصحفيين، حيث يتم تفتيش هواتفهم وأجهزتهم الإلكترونية بشكل تعسفي، مع رصد اللجنة لحالات اختفاء قسري لعدد من النشطاء، مثل منصور محمود عطي، الذي تم احتجازه تعسفيًا لمدة أشهر دون إبلاغ عائلته بمصيره.
ودعت “لجنة العدالة” في تقريرها الدول الأعضاء في الأمم المتحدة إلى حث السلطات الليبية على اتخاذ خطوات ملموسة ذات حيز زمني محدد لمعالجة هذه الانتهاكات. وشملت التوصيات:
– إلغاء القوانين التي تجرّم العمل المدني، مع ضرورة وقف الاعتقالات التعسفية وحالات الاختفاء القسري، وضمان المساءلة عن جرائم التعذيب وسوء المعاملة، ومنع إفلات مرتكبيها من العقاب.
– كما حثت اللجنة السلطات الليبية على تحسين أوضاع مراكز الاحتجاز لديها، وإنهاء الانتهاكات بحق المهاجرين، وضمان التعاون الكامل مع آليات حقوق الإنسان الدولية والإقليمية.
– وأكدت اللجنة أن هذه الجهود تأتي في إطار التزامها بدعم آليات المساءلة وتعزيز حقوق الإنسان في شمال إفريقيا، مشددة على ضرورة إنهاء الإفلات من العقاب، ومعالجة الأسباب الجذرية لهذه الأزمة المستمرة.