أدانت “لجنة العدالة” الإجراءات التعسفية التي أعلن عنها “جهاز الأمن الداخلي” التابع للحكومة الليبية، خلال مؤتمر صحفي عُقد في طرابلس يوم 2 أبريل/ نيسان 2024، والذي أعلن فيه عن تعليق أنشطة عدد من المنظمات الإنسانية الحقوقية دولية العاملة في ليبيا، من بينها؛ مكتب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR)، دون الرجوع إلى أي إجراءات قضائية مسبقة.
وبرر الجهاز الأمني هذه الإجراءات بالحديث عن حماية الأمن القومي، ومواجهة ما أسماه “حملة التوطين”؛ حيث اتهم هذه المنظمات بالسعي إلى توطين المهاجرين الأفارقة في ليبيا، واصفًا ذلك بأنه عمل عدائي يهدد التركيبة الديمغرافية للبلاد. إلا أن هذه المزاعم تتناقض مع طبيعة العمل الإنساني الذي تقوم به هذه المنظمات، والتي تعمل بشكل قانوني ومرخص تحت إشراف السلطات الليبية.
وشمل القرار منظمات إنسانية دولية مسجّلة رسميًا لدى مفوضية المجتمع المدني وتعمل بإشراف وموافقة السلطات الليبية، منها؛ منظمة الإغاثة الدولية، المجلس النرويجي للاجئين، الهيئة الطبية الدولية، المجلس الدنماركي للاجئين، أطباء بلا حدود (فرنسا)، منظمة كير الألمانية، منظمة إنترسوس الإيطالية، منظمة أكتد، ومنظمة تشزفي.
ولم يقتصر الأمر على تعليق الأنشطة؛ بل رافق ذلك أيضًا سلسلة من الانتهاكات الجسيمة ضد موظفي هذه المنظمات، حيث تعرض ما لا يقل عن 18 موظفًا للاستجواب والترهيب، كما صودرت جوازات سفر بعضهم، وأُجبروا على توقيع تعهدات بعدم العمل مع أي منظمة دولية في المستقبل. بالإضافة إلى ذلك، تم إغلاق مقرات هذه المنظمات بشكل تعسفي دون أي مذكرة قضائية، في انتهاك صارخ للضمانات الدستورية والقوانين المحلية والدولية.
وتجدر الإشارة إلى أن هذه الإجراءات تمثل انتهاكًا واضحًا للالتزامات الدولية التي تقع على عاتق ليبيا، خاصة فيما يتعلق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب، كما أنها تتعارض مع الإعلان الدستوري الليبي، الذي يكفل حرية العمل الإنساني ويحمي حقوق العاملين في هذا المجال.
وفي هذا السياق، تؤكد “لجنة العدالة” على المسؤولية القانونية والأخلاقية للسلطات الليبية في حماية المدنيين – بما في ذلك اللاجئين والمهاجرين-، وضمان وصولهم إلى الخدمات الإنسانية الأساسية، داعية إلى إلغاء قرار التعليق فورًا، وإعادة فتح مقرات المنظمات، وإطلاق سراح جميع الموظفين المتضررين، وإعادة جوازات سفرهم، ومطالبة بفتح تحقيق مستقل في هذه الانتهاكات، ومحاسبة المسؤولين عنها.
وحذرت اللجنة من أن استمرار هذه السياسات القمعية سيزيد من معاناة آلاف اللاجئين والمهاجرين العالقين في ليبيا، وسيؤدي إلى مزيد من العزلة الدولية للبلاد، كما أن هذه الإجراءات تهدد الاستقرار الاجتماعي في ليبيا، التي تعاني أصلاً من انقسامات سياسية وأمنية عميقة.
وفي الختام، تشدد “لجنة العدالة” على ضرورة التزام السلطات الليبية بالقانون الدولي واحترام حقوق الإنسان، داعية المجتمع الدولي إلى التحرك العاجل لضمان حماية المدنيين والعاملين في المجال الإنساني، ومؤكدة أن استمرار هذه الانتهاكات لن يؤدي إلا إلى تفاقم الأزمة الإنسانية في ليبيا، معربة عن أملها في أن تتخذ السلطات خطوات ملموسة لتصحيح هذا المسار الخطير.