Skip to content

“لجنة العدالة” تقدم تقرير لفريق الاختفاء القسري حول استخدام الولاية القضائية الجنائية العالمية في قضايا الاختفاء القسري وخاصة في مصر والسودان

أقل من دقيقة مدة القراءة: دقائق

قالت “لجنة العدالة” إن استخدام الولاية القضائية الجنائية العالمية يعد أداة قانونية حاسمة لملاحقة مرتكبي جرائم الاختفاء القسري، خاصة في الحالات التي تعجز فيها السلطات الوطنية عن تحقيق العدالة أو ترفض محاسبة المسؤولين، موضحة أن هذه الآلية تتيح للمحاكم الوطنية في أي دولة مقاضاة الأفراد المتورطين في مثل هذه الجرائم الخطيرة، بغض النظر عن مكان ارتكابها أو جنسية الجناة والضحايا، ما يسهم في مكافحة الإفلات من العقاب ويوجه رسالة قوية بأن المجتمع الدولي لن يتسامح مع الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.

يأتي ذلك في إطار تقديم اللجنة لتقريرها بشأن البحث الذي يجريه الفريق العامل المعني بحالات الاختفاء القسري بالأمم المتحدة، حول استخدام الولاية القضائية الجنائية العالمية في قضايا الاختفاء القسري، والمقرر تقديمه إلى مجلس حقوق الإنسان في سبتمبر 2025، حيث تهدف هذه المبادرة المهمة إلى تقييم تطبيق الولاية القضائية العالمية في معالجة هذه الانتهاكات الجسيمة، والتعرف على التحديات، والدروس المستفادة، والممارسات الجيدة التي تعزز المساءلة وتحقيق العدالة.

وتستند “لجنة العدالة” في إعداد هذا التقرير إلى خبرتها الواسعة في توثيق ومكافحة حالات الاختفاء القسري في منطقة شمال إفريقيا – لا سيما في مصر والسودان-، كما اعتمد التقرير على مجموعة متنوعة من المصادر العامة، بما في ذلك؛ الاتفاقيات الدولية والإقليمية، واجتهادات آليات الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، وتقارير وتحليلات منظمات أخرى، مع التأكيد على التزام اللجنة المستمر بمكافحة الإفلات من العقاب وضمان العدالة لضحايا الاختفاء القسري وعائلاتهم.

وترى اللجنة في تقريرها أنه على الرغم من أن مبدأ الولاية القضائية العالمية يتيح للدول مقاضاة مرتكبي بعض الجرائم بغض النظر عن مكان ارتكابها أو جنسية الجناة أو الضحايا؛ إلا أنه لم يُطبق عمليًا في مصر أو السودان! فكلا الدولتان لم تقما بمحاكمة مرتكبي الجرائم الخطيرة استنادًا إلى هذا المبدأ، كما لم يتم – حسب معرفتنا-، تحريك أي قضايا ضد جناة أجانب على أراضيهما.

وهذا الوضع يعكس عقبات هيكلية وقانونية وسياسية تعرقل تطبيق الولاية القضائية العالمية فيهما، وهو ما اهتم به التقرير وسلط الضوء عليه، فكلا البلدين يواجهان تحديات داخلية كبيرة في محاسبة المسؤولين عن انتهاكات حقوق الإنسان الجسيمة، نتيجة لضعف الأنظمة القانونية والمؤسساتية.

ويشدد تقرير “لجنة العدالة” على أن الإفلات الممنهج من العقاب أحد العوائق الرئيسية أمام تحقيق العدالة في حالات الاختفاء القسري، حيث يشكل الصراع في دارفور مثالًا بارزًا على هذه المشكلة في السودان؛ فعلى الرغم من انضمام السودان إلى الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري (ICPPED) في عام 2021، إلا أن الإطار القانوني المحلي لا يزال يفتقر إلى أحكام صريحة تسمح بمقاضاة هذه الجرائم بموجب الولاية القضائية العالمية. كما أن المحاكم الخاصة بدارفور، التي أُنشئت عام 2005؛ لمحاسبة مرتكبي الجرائم الخطيرة، لم تحقق العدالة الفعالة بسبب التدخل السياسي وغياب الاستقلال القضائي.

أما في مصر؛ فلم يتم دمج التزاماتها بموجب الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري في القوانين المحلية بشكل كافٍ، إذ لا يجرم القانون المصري الاختفاء القسري بشكل شامل، كما لا توجد أحكام صريحة لتطبيق الولاية القضائية العالمية. علاوة على ذلك، فإن القضاء المصري – المتأثر بالسلطة التنفيذية- لا يبدي رغبة في ملاحقة المسؤولين عن هذه الجرائم، ما يعزز ثقافة الإفلات من العقاب، فوثقت اللجنة أكثر من 633 حالة اختفاء قسري في مصر حتى الآن، بينما تستمر السلطات المصرية في نفي مسؤوليتها عن هذه الانتهاكات، وتعرقل التحقيقات، وتستهدف المدافعين عن حقوق الإنسان والصحفيين.

ورأت اللجنة في تقريرها أن العوائق لا تقتصر فقط على غياب التشريعات؛ بل تمتد إلى ضعف استقلالية القضاء، ما يجعل من المستحيل تقريبًا ملاحقة مرتكبي الجرائم الخطيرة بموجب الولاية القضائية العالمية. ففي مصر، يتردد القضاء في محاكمة المسؤولين الحكوميين، كما يتم استخدام قوانين الطوارئ والتشريعات المناهضة للإرهاب لحماية الجناة بدلاً من محاسبتهم.

أما في السودان، فأدى الانقلاب العسكري عام 2021، والاضطرابات المستمرة منذ أبريل 2023، إلى تقويض أي جهود محتملة لضمان محاكمات عادلة لمجرمي الحرب والمسؤولين عن حالات الاختفاء القسري، كما أن البيئة العدائية لحقوق الإنسان في كلا البلدين تعوق جهود الضحايا في البحث عن العدالة، حيث يتعرض الناجون والمحامون والمدافعون عن حقوق الإنسان للترهيب والمضايقات، ما يمنعهم من التقدم بشكاوى أو المشاركة في التحقيقات.

وفيما يتعلق بمشاركة الضحايا ومنظمات المجتمع المدني في التحقيقات والمحاكمات، لا توجد آليات تضمن إشراكهم بفعالية في القضايا المرفوعة بموجب الولاية القضائية العالمية. ففي كلاً من مصر والسودان، يواجه الضحايا مخاطر جسيمة، مثل؛ المضايقات والاحتجاز التعسفي والتشهير، ما يجعل من الصعب عليهم الإدلاء بشهاداتهم أو تقديم أدلة تدعم القضايا ضد الجناة. كما أن منظمات حقوق الإنسان والمحامين العاملين في هذا المجال يتعرضون للقيود والتهديدات، مثلما حدث مع الناشط المصري إبراهيم متولي، الذي تعرض للاعتقال بسبب عمله في الدفاع عن ضحايا الاختفاء القسري.

وحول ما يتعلق بحماية الضحايا والشهود والدعم النفسي والاجتماعي، فإن الأوضاع في مصر والسودان تعاني من غياب تام للآليات الرسمية التي تضمن سلامتهم. ففي مصر، يواجه الضحايا ومحاموهم مخاطر جسيمة، مثل؛ الملاحقة الأمنية والتشويه الإعلامي والاعتقال التعسفي، ما يجعل من الصعب عليهم متابعة القضايا أو التعاون مع المحاكم الدولية. أما في السودان؛ فأدى النزاع المستمر إلى تفاقم الوضع الأمني، ما يجعل من الصعب على الضحايا والشهود التعاون مع آليات العدالة دون التعرض للانتقام، وعلى الرغم من محاولات بعض منظمات المجتمع المدني توفير الحماية والدعم النفسي؛ إلا أن هذه الجهود تواجه تحديات كبيرة، منها نقص الموارد والتضييق الحكومي المستمر.

وفي ختام تقريرها، تؤكد “لجنة العدالة” على أنه في ظل هذه الظروف، من غير المرجح أن تمتلك حكومتا مصر والسودان أو مؤسساتهما القضائية، القدرة أو الإرادة السياسية لقبول القضايا بموجب الولاية القضائية العالمية، فضلاً عن عدم قدرتهما على توفير الحماية اللازمة للشهود أو الضحايا، فكلاهما أظهرتا تجاهلاً صارخًا للقوانين الدولية والوطنية، ما سمح بانتشار الاختفاء القسري كسياسة ممنهجة دون أي محاسبة.

ورغم ذلك تشدد اللجنة على أن الولاية القضائية العالمية تظل أداة رئيسية لمكافحة الإفلات من العقاب، كما أثبتتها قضايا سابقة، مثل؛ إدانة الضباط الأرجنتينيين في إسبانيا عام 2007، والمحاكمات المتعلقة بفترة حكم بينوشيه في تشيلي، وهو ما يثبت أن العدالة ممكنة حتى في الحالات التي تبدو مستعصية. لذا، ينبغي على المجتمع الدولي تعزيز استخدام الولاية القضائية العالمية كآلية لمحاسبة مرتكبي الجرائم الخطيرة في مصر والسودان، وتشجيع الدول التي تتيح تشريعاتها ذلك على فتح تحقيقات جدية في هذه القضايا لضمان تحقيق العدالة.

لمزيد من المعلومات والطلبات الإعلامية أو الاستفسارات، يرجى التواصل معنا
(0041229403538 / media@cfjustice.org)

آخر الأخبار

اشترك في نشرتنا الإخبارية!

كن أول من يحصل على أحدث منشوراتنا