قالت “كوميتي فور جستس” إن التعذيب أصبح سمة ملاصقة لمراكز الاحتجاز في مصر، فالأمر ليس مجرد انتشار لوقائع تعذيب داخل مقار الاحتجاز المصرية، ولكنه منهج وطريقة تعامل مستمرة ودائمة من السلطات في مصر مع المحتجزين لديها بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية أو الدينية، وينمي ذلك كله سياسة الإفلات من العقاب التي رسختها السلطات.
ويدعم ذلك ما أبدته لجنة حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، في تقريرها حول مراجعة ملف مصر، الذي صدر الشهر الماضي، من قلق اتجاه الاستخدام المنهجي للتعذيب على أيدي الموظفين المكلفين بإنفاذ القانون في مصر، وأن التعذيب وسوء المعاملة منتشران في أماكن الحرمان من الحرية، وأن هذه الأفعال تمارس على نطاق واسع من قبل الشرطة وأجهزة أمن الدولة أثناء مراحل التوقيف والاستجواب والتحقيق.
يأتي ذلك عقب رصد المؤسسة لواقعة تعذيب محتجز، وانتهاكات بسجن المنيا بشمال الصعيد، حيث وصلت إليها رسائل مسربة نجح محتجزون بداخل “ليمان المنيا ١” من إخراجها، أبلغت عن وقوع تلك الانتهاكات وواقعة التعذيب، وتأكدت “كوميتي فور جستس” من صحتها بعد توثيقها.
ففي 9 فبراير/ شباط 2023، تعرض المحتجز بسجن ليمان المنيا 1، بدوي محمد طوخي محمد (38 عامًا)، وهو محكوم عليه بمؤبد في القضية ٢٢١ عسكرية ومحتجز منذ 8 سنوات، للضرب المبرح على ظهره وعلى الفخذ والمؤخرة مع ربط يديه ورجليه وإلقاءه على وجهه في الأرض.
كل ذلك تم تحت إشراف رئيس مباحث الليمان، أحمد شلبي، ومعاون المباحث، علاء سلطان، ومفتش المنطقة، هشام الصغير، ومفتش القطاع، منتصر أبو عويضة، ومأمور الليمان، محمد صفوت، ومخبران بعنبر الإيراد، أحدهما يُدعى “عبد الباري”، والأخر هو محمود حسن.
كما أظهرت الرسائل المسربة أيضًا أن أحد الضباط وضع عصا بلاستيكية في مؤخرة “طوخي” في محاولة لهتك عرضه، وأجبره على شرب مياه تحتوي على مواد تنظيف ما تسبب في تقيئه لمدة ساعة كاملة بشكل مستمر، كما تم مصادرة جميع الأدوية الخاصة به وحرق كتبه الدراسية، واستمرت حفلات التعذيب تلك عليه حتى يوم 5 مارس/ آذار 2023.
وتسببت كل تلك الممارسات اللاإنسانية ضد “طوخي” في ضعف بصره بشكل شديد عقب كسر النظارة الطبية الخاصة به، كذلك هتك عرضه مع وجود نزيف في فتحة الشرج، وضعف السمع بالأذن اليسرى نتيجة لكثرة الضرب عليها، مع آلام شديدة في الأرجل وفي الظهر والعمود الفقري، والآم في القفص الصدري بسبب الصلب على الشواية “إحدى طرق التعذيب” والضرب على الصدر، وآلام في الخصية بسبب صعقها المستمر بالكهرباء.
وعلق المدير التنفيذي لـ”كوميتي فور جستس”، أحمد مفرح، على ذلك بقوله إن “انتشار الرسائل المسربة الخارجة من داخل السجون في مصر يؤرخ لمرحلة جديدة من منهجية التعذيب في مصر، وهي مرحلة ترسيخ التعذيب وجعله مسلمة في التعامل مع المحتجزين وشيء لا بد منه”.
وكان “مفرح” أشار في ندوة شاركت فيها المؤسسة على هامش الدورة العادية الـ52 لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، ناقشت التعذيب الممنهج في مصر ودوره في تكريس سياسة الإفلات من العقاب، إلى
أن السلطات المصرية تتعامل مع التعذيب داخل مقار الاحتجاز والسجون المصرية؛ بسياسة الإنكار والتجاهل والعقاب، مشددًا على أن تلك السياسة كانت الأساس لإفلات مرتكبي تلك الجرائم من منتسبي جهاز الشرطة المصرية وأجهزة المخابرات والجيش المصري من العقاب.
وفي نفس السياق، جاء في الرسائل المسربة أيضًا أن السجن يعاني من تكدس المحتجزين بداخله، حيث يصل عدد المحتجزين داخل الزنزانة الواحدة، وهي عبارة عن غرفة صغيرة لا تتعدى مساحتها 12 م وبداخلها حمام، من حوالي 15 إلى 30 محتجز.
كما اشتكى المحتجزون من تقليل مدة الزيارة إلى ٢٠ دقيقة فقط، دون مراعاة للأهالي الذين يأتون من جميع المحافظات، ويقطعون مسافات طويلة ليروا ذويهم المحتجزين لأقل من نصف ساعة شهريًا، في مخالفة للائحة السجون المصرية، وقواعد الأمم المتحدة النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء.
ولكل ما سبق، ينبغي على السلطات المصرية، وإدارة سجن (ليمان المنيا 1) ومصلحة السجون بالتحديد، وقف تلك الانتهاكات وحفلات التعذيب المقامة ضد المحتجزين بالليمان، مع تطبيق قواعد الأمم المتحدة النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء ولائحة السجون المصرية والتوقف عن مخالفتهما، وتوفير سبل المعيشة التي تليق بإنسانية المحتجزين.
كما تطالب “كوميتي فور جستس” بفتح تحقيقات جادية وشفافة ومحايدة في واقعة تعذيب المحتجز بدوي محمد طوخي محمد، وتحديد القائمين عليها، ومعاقبتهما بالعقوبة المناسبة، مع تيسير سبل الانتصاف الفعال للضحية، وتوفير الرعاية الصحية اللازمة له.
كذلك دعت المؤسسة الآليات الأممية والمجتمع الدولي للضغط بجدية على السلطات المصرية لوقف سياستها الممنهجة في تعذيب المحتجزين لديها، وضمان التزامها بالمواثيق والعهود الدولية التي وقعت عليها، مع إيجاد آلية أممية للرقابة على أماكن ومقار الاحتجاز في مصر.