تدعو المنظمات الموقعة أدناه الدول الأعضاء في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة إلى تجديد ولاية البعثة الدولية المستقلة لتقصي الحقائق في السودان لمدة عامين إضافيين، والإبقاء على عملها ما دام الصراع مستمرا والانتهاكات الجسيمة متواصلة. إن هذا التجديد ليس مجرد إجراء شكلي، بل هو خطوة جوهرية لضمان استمرار توثيق الانتهاكات الخطيرة، وحفظ الأدلة، وتحديد المسؤولين عنها. كما أنه ضروري لتمكين المدافعين عن حقوق الإنسان في السودان والمنطقة من الحصول على الوقت والظروف الأمنية الكافية لجمع المعلومات الموثوقة والشاملة ونقلها إلى البعثة.
أُنشئت بعثة تقصي الحقائق في 11 أكتوبر 2023 بموجب قرار مجلس حقوق الإنسان رقم 54/2، كاستجابة حاسمة لتصاعد النزاع المسلح بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع الذي اندلع في 15 أبريل 2023. وعندما جدد المجلس ولايتها في أكتوبر 2024 بموجب القرار 57/2، أقر بالصلة المباشرة بين الإفلات من العقاب ودورات العنف المتكررة في السودان. ويكتسب هذا الاعتراف أهمية أكبر اليوم مع دخول الصراع عامه الثالث.
يواجه السودان أكبر أزمة نزوح داخلي في العالم، متجاوزا حتى ذروة النزوح في سوريا.[1] فقد نزح أكثر من 12 مليون شخص، من بينهم أكثر من 7.6 مليون داخل السودان. وتستمر الهجمات على البنية التحتية المدنية مثل الأسواق ومخيمات النزوح والمستشفيات ومحطات المياه دون توقف. كما يظل الوصول إلى الخدمات الأساسية مقيدا بشدة، مع العرقلة المتعمدة لوصول المساعدات الإنسانية والاستهداف المتكرر للعاملين في مجال الإغاثة والقوافل الإنسانية. وقد تم تدمير النظام الصحي بشكل منهجي من خلال الهجمات والنهب واحتلال المنشآت، مما تسبب في نقص حاد في الإمدادات الطبية وحرمان السكان من الرعاية الأساسية.
تشير النتائج الموثوقة الصادرة عن بعثة تقصي الحقائق وغيرها من المنظمات المستقلة إلى أن جميع أطراف النزاع ارتكبت انتهاكات قد ترقى إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وأن الأفعال التي ارتكبتها قوات الدعم السريع والميليشيات المتحالفة معها في دارفور قد ترقى إلى تطهير عرقي. وتشمل هذه الانتهاكات الهجمات المتعمدة والعشوائية ضد المدنيين، والاعتقالات التعسفية، والاحتجاز بمعزل عن العالم الخارجي، وحالات الإخفاء القسري، والتعذيب، والإعدام خارج نطاق القضاء، والتهجير القسري، والاعتداءات الجنسية، والاغتصاب. كما تم توثيق مجازر ذات دوافع عرقية، خصوصا ضد مجتمع المساليت وغيرهم من المجتمعات غير العربية في دارفور، إلى جانب أعمال انتقامية منهجية ضد الصحفيين والنشطاء والمدافعين عن حقوق الإنسان.
ورغم حرمانها من الوصول الميداني إلى السودان، فقد واصلت بعثة تقصي الحقائق عملها من خلال مئات المقابلات مع الشهود في البلدان المجاورة، وتقارير من منظمات حقوقية مستقلة، وتحليل الأدلة الرقمية والمفتوحة المصدر، وتحديد مواقع الهجمات. وقد تواصلت مع الناجين، ومنظمات المجتمع المدني، واللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب، والهيئات المعنية. وقد أسهم هذا العمل بالفعل في حفظ أدلة حاسمة يمكن استخدامها في ملاحقات قضائية مستقبلية داخل السودان أو أمام الآليات الدولية مثل المحكمة الجنائية الدولية.
إن تعقيد وحجم هذه الانتهاكات يتطلبان استجابة دولية قوية ومستدامة. إن عدم تجديد الولاية سيؤدي إلى ترك التحقيقات الأساسية غير مكتملة، وتقويض استمرار التوثيقات من خلال الضحايا والشهود، وإتاحة الفرصة للإفلات من العقاب لمرتكبي الانتهاكات الجسيمة. إن تمديد الولاية سيعزز التزام المجتمع الدولي بسيادة القانون، ويوجه رسالة واضحة مفادها أن الإفلات من العقاب لن يُسمح به، ويضمن محاسبة المسؤولين عن الجرائم الخطيرة. كما أن استمرار عمل البعثة أمر حاسم لوضع الأسس المؤسسية والأدلة اللازمة لعملية عدالة انتقالية موثوقة كجزء من جهود السودان المستقبلية للتعافي وبناء السلام.
تضطلع بعثة تقصي الحقائق بدور فريد في توفير سجل موضوعي وموثوق للأحداث، ودعم ضحايا الانتهاكات، وتعزيز الجهود الأوسع لتحقيق العدالة والمصالحة. وكما أشارت البعثة في تحديثها في يونيو 2025 “السلام بدون عدالة هو وهم”. إن أي تسوية موثوقة للنزاع في السودان يجب أن تعالج مسألة المساءلة منذ البداية، وتُعد البعثة عنصرا لا غنى عنه لتحقيق هذا الهدف.
في جلسته الستين المقبلة، على مجلس حقوق الإنسان أن يتخذ الإجراءات التالية:
- تجديد ولاية بعثة تقصي الحقائق الدولية المستقلة بشأن السودان لمدة عامين إضافيين، مع ضمان تزويدها بالموارد والكوادر اللازمة للاضطلاع بوظائفها التحقيقية.
- يطلب من البعثة تقديم تحديثات شفهية منتظمة وتقارير مكتوبة شاملة إلى المجلس، يتبعها حوارات تفاعلية في كل جلسة من جلسات المجلس، لضمان استمرار الرقابة على حالة حقوق الإنسان في السودان.
- يضمن إحالة نتائج البعثة رسميا إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة وحثها على أهمية إرسال تلك التقارير إلى مجلس الأمن للنظر فيها واتخاذ الإجراءات المناسبة، بما في ذلك اعتماد تدابير موجهة ضد الجناة.
- يدعو جميع أطراف النزاع إلى منح البعثة وصولا غير مقيد إلى السودان والتعاون الكامل مع عملها، بما يتماشى مع التزامات السودان كدولة عضو في الأمم المتحدة.
- يشجع على تعزيز التنسيق بين البعثة وآليات المساءلة الإقليمية أو الدولية، بما في ذلك اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب، لتعظيم أثر الجهود التحقيقية.
يجب على مجلس حقوق الإنسان أن يثبت أنه ما زال منخرطا بفاعلية في معالجة الأزمة المستمرة في السودان. إن تجديد ولاية البعثة خطوة ضرورية لحماية نزاهة التحقيقات الجارية، وصون حقوق الضحايا والناجين، ووضع الأساس لسلام عادل ودائم قائم على الحقيقة والمساءلة.
المنظمات الموقعة
- المركز النوبي للسلام والديمقراطية
- المنصة النسوية للسلام والعدالة
- شبكة مراقبة حقوق الإنسان في السودان
- لجنة العدالة
- منظمة عوافي السودانية
- محامو الطوارئ
- منظمة بان للصحة والسلام
- مركز كادن للعدالة وحقوق الإنسان
- مركز الشباب