قالت “كوميتي فور جستس” إنه أثناء قيام المدافعين عن حقوق الإنسان بنشاطهم السلمي في ظل الأنظمة السلطوية قد يختار البعض منهم اللجوء إلى الخارج/ الشتات كاستراتيجية لضمان استدامة النشاط أو يتم إجبارهم عليها حفاظًا على حياتهم وسلامتهم المادية والنفسية.
جاء ذلك خلال الورقة البحثية الأولى من سلسلة أوراق “التغريبة الحقوقية للمدافعين المصريين عن حقوق الإنسان”، تحت عنوان “نشاط المدافعين عن حقوق الإنسان في المهجر”، والتي تأتي ضمن إطار مشروع المؤسسة لـ”مراقبة أوضاع المدافعين عن حقوق الإنسان في مصر”.
وأشارت “كوميتي فور جستس” في ورقتها إلى أن العديد من الوقائع التاريخية أثبتت أن دورًا هائلاً في الحشد ضد الأنظمة السلطوية قام به نشطاء المهجر والمدافعين عن حقوق الإنسان الناشطين من الخارج، حتى أصبحوا في نهاية المطاف سببًا من ضمن أسباب التغيرات الداخلية الهائلة في حالات، مثل؛ جوزيه زلاقيت، الناشط الحقوقي التشيلي الذي أجبر على مغادرة البلاد تحت حكم الجنرال “بينوشيه”، وانخرط في استراتيجيات طويلة المدى لدعم زملائه في الداخل وفضح جرائم “بينوشيه” على المستوى العالمي في السبعينات والثمانينات. وهو ما حدث بشكل بارز أيضًا خلال أحداث “الربيع العربي”.
وبحسب الورقة، فإن المجتمع المدني العابر للحدود له دور هام في كشف الانتهاكات الحقوقية، وتحدي رقابة وتعتيم النظم الاستبدادية من خلال ممارسة دور الوساطة بين نظراؤهم في الداخل وبين المجتمع الدولي؛ من حيث نقل المعلومات ورفع الوعي الدولي تجاه الوجه الحقيقي لتلك الأنظمة.
وتناولت الورقة الحراك الحقوقي المصري من الخارج القائم به المدافعون عن حقوق الإنسان بالعرض والتحليل، محددة الأسباب التي أدت لخروج كثير من الحقوقيين المصريين خارج البلاد، مع التطرق لأنشطتهم في المهجر، ثم التحديات التي تواجه العمل الحقوقي بالخارج.
وأكدت “كوميتي فور جستس” في مستهل ورقتها، أن نظام “السيسي” تبنى فكرًا وموقفًا معاديًا للنشاط الحقوقي كليةً باعتبارها أولويات هامشية في مقابل “الحرب على الإرهاب”، لذا لم تتوان السلطة المصرية منذ 2014، عن تحجيم عمل وتأثير المنظمات الحقوقية وملاحقة المدافعين عن حقوق الإنسان بكل الطرق المتاحة؛ سواء من الناحية القانونية (قانون تنظيم عمل الجمعيات الأهلية)، أو من الناحية القضائية؛ حيث استهدفت السلطة القضائية أكثر من 31 مدافعًا عن حقوق الإنسان، و12 منظمة حقوقية في القضية رقم 173/ 2011، المعروفة إعلاميًا باسم “قضية التمويل الأجنبي”، والتي أعادت محكمة شمال القاهرة فتحها في 2016، وحكمت بالتحفظ على أموال عددًا من المدافعين والمنظمات الحقوقية بُناءً على طلب قاضي التحقيق لاتهامهم بتلقي أموال من الخارج بهدف الإضرار بالأمن القومي، كذلك عمدت السلطات إلى إلقاء القبض على المدافعين والباحثين العائدين من الخارج.
كذلك أبرزت الورقة نشاط المدافعين عن حقوق الإنسان في المهجر، ومحاولاتهم لتأسيس منظمات ومؤسسات لكي تصبح نواة للعمل الحقوقي ومجتمع مدني بديل “عابر للحدود الوطنية”؛ وذلك لتعويض النشاط من الداخل الذي بات شبه مستحيلاً.
ويرى المدافعون، مثل؛ أحمد مفرح، المدير التنفيذي لمؤسسة “كوميتي فور جستس”، أنه على المدي القصير تستهدف المنظمة بالأساس توثيق الانتهاكات الحقوقية التي يمارسها النظام المصري بحق المعارضين والمدافعين والمواطنين في الداخل والتأكد من صحتها من أجل عرضها للرأي العام المصري بصورة سلسة وملائمة، وزيادة الوعي إزاء أنماط انتهاكات حقوق الإنسان وحماية حقوق الضحايا، على المدى البعيد والهدف الاستراتيجي لنشاط المدافعين في المهجر هو تحفيز الوصول إلى مرحلة جديدة من العدالة الانتقالية الوطنية تتخذ من المنهج الحقوقي مرجعية للإصلاح السياسي والتحول الديموقراطي، وذلك بالتعاون مع المجتمع المدني المحلي.
وأضاف “مفرح” أنه من أجل تلك الأهداف تتحرك المنظمات الحقوقية في اتجاهات مختلفة، فمن ناحية؛ تستهدف المنظمات إنتاج منشورات ومواد بحثية مقروءة ومرئية، وإنتاج قواعد بيانات تضم الانتهاكات المرصودة والموثقة وفقًا للمعايير الدولية لحقوق الإنسان ووفقًا للتشريعات المحلية. على سبيل المثال؛ دشنت “كوميتي فور جستس” مشاريع تخدم أهداف ملفات العمل، مثل؛ مشروع مراقبة مراكز الاحتجاز المصرية؛ الذي يرصد ويوثق الانتهاكات داخل السجون ومقار الاحتجاز المصرية، ومشروع مراقبة المحاكمات؛ الذي يراقب أداء النظام القضائي في القضايا ذات الطابع السياسي، وأرشيف مراقبة العدالة؛ الذي كان الهدف منه بناء قاعدة بيانات موثقة حول الانتهاكات التي تقع من السلطة الأمنية والسلطة القضائية بحق الضحايا.
وحول التحديات التي يواجها العمل الحقوقي بالخارج، شددت الورقة على أنه بالرغم من احتمالية نجاة المدافعون عن حقوق الإنسان من الخطر المباشر أو التهديد بالتوقيف والاحتجاز أو الملاحقة القضائية؛ يبدأ المدافعون حلقة جديدة من مواجهة تحديات أخرى نفسية ومادية وقانونية في البلد المضيف، وتنتهي عند خطر ملاحقة ذويهم الموجودين في الداخل، خاصةً في حالات النشطاء الحقوقيين أصحاب الجهود والمواقف المعلنة ضد النظم السلطوية التي دفعتهم إلى الرحيل.
وأوضحت الورقة أن أول، وأخطر التحديات التي تواجه نشطاء الخارج؛ هو الاستهداف الإلكتروني/ الرقمي والإعلامي من قبل الأنظمة السياسية، فقد تعرض عددًا من النشطاء والمدافعين المصريين عن حقوق الإنسان في الخارج بالفعل إلى تلك الهجمات الأمنية الإلكترونية، بالإضافة إلى محاولات اختراق الحسابات الشخصية وحسابات العمل، واستخدام السفارات والجواسيس لتعقب المعارضين والمدافعين عن حقوق الإنسان في الخارج، ومضايقة وملاحقة ذويهم في الداخل واستخدامهم كأداة لترهيبهم وتحجيم نشاطهم.
أما عن الشحن والوصم الإعلامي؛ فهناك الواقعة الشهيرة بالتحريض العلني على القتل التي قام بها أحد الإعلاميين المصريين الموالين للنظام المصري بحق المدافع بهي الدين حسن، نتيجة عمله في مجال حقوق الإنسان في أوروبا والولايات المتحدة الأميركيّة، حيث قام الإعلامي باتهامه بالجاسوسية ودعا السلطات المصريّة إلى التعامل معه على طريقة “الجاسوس الروسي”؛ وذلك في إشارة إلى محاولة الاغتيال التي نفذتها السلطات الروسية بحق سيرجي سكريبال في المملكة المتحدة.
واختتمت الورقة بالتأكيد على أن “التحديات أمام المدافعين في المهجر لا تقف عند ملاحقة واضطهاد الأنظمة السلطوية التي دفعتهم خارج البلاد فقط، بل يواجهون مصاعب عدة داخل البلاد المضيفة، فتسوية الأوضاع القانونية، على سبيل المثال، تشكل عبئًا، خاصةً أمام نشطاء ومدافعين دول شمال أفريقيا والشرق الأوسط بالمقارنة على سبيل المثال مع نشطاء المهجر الذين وفدوا في عقود سابقة على الدول الغربية من شرق أوربا وأمريكا اللاتينية ووجدوا دعمًا أكبر يمكنهم من مواصلة نشاطهم السياسي والحقوقي”.