قالت “لجنة العدالة” إنه نتيجة للدور الفعال الذي يقوم به المحامون الحقوقيون في مصر لمحاولة ضمان حق المتهمين في القضايا السياسية أو قضايا النشر في الوصول إلى العدالة من خلال مؤسسات القضاء المصري، ورصد وتوثيق الانتهاكات الحقوقية التي تقع عليهم؛ فإنهم أصبحوا هم الآخرين هدفًا لقمع السلطات.
ومن خلال ورقة بحثية حملت عنوان “محاماة حقوق الإنسان ومهنة الدفاع في ظل السلطوية“، ضمن مساهمات اللجنة في مشروعها “العدالة للمدافعين عن حقوق الإنسان”، أوضحت أن الهدف من هذه الورقة هو بيان أثر انتهاكات حقوق الإنسان ضد المحامين المدافعين عن حقوق الإنسان على مهنة الدفاع القانوني، مسلطة الضوء على أبرز التحديات التي تجابه حركة محاماة الحقوق منذ نشأتها في تسعينيات القرن الماضي عبر رموز التيار المدني الحقوقي، واتساعها لتشمل التيار الإسلامي الحقوقي منذ أحداث 2013.
كما أشارت “لجنة العدالة” إلى أنها اعتمدت في ورقتها تلك على سجلات مئات من الانتهاكات بحق المحامين التي سجلتها منذ 2013، وجاري نشرها عبر منصة “مراقبة العدالة” خلال العام الجاري، وكذا عشرات الحالات الموثقة مع ذوي الضحايا وتحليلات القضايا التي ضمت محامين مدافعين عن حقوق الإنسان عبر أعمال فريقي “مراقبة الاحتجاز” و”مراقبة المحاكمات” باللجنة، فضلًا عن شهادات فرق العمل الميداني من المحامين وشهادات رموز العاملين بالدفاع عن حقوق الإنسان في مصر.
كذلك تسعى الورقة لتحليل مآل حركة محاماة حقوق الإنسان، باعتبارها حركة جيلية بدأت منذ تسعينيات القرن الماضي في شكل منظمات حقوقية، لتتحول لاحقًا إلى حركات سياسية تحشد الشباب والعمال والجماعات الفئوية، وصولًا لتظاهرات 25 يناير 2011، ثم تبلورها في شبكة من محاماة الحقوق/ السياسة، لتصير الآن مرمى استهداف السلطة ومؤسساتها الأمنية والقضائية على السواء.
وذكرت “لجنة العدالة” أن الورقة تستعرض مختصرًا لأدبيات الدفاع الحقوقي في سياق السلطوية، بالتركيز على تعريف محاماة الحقوق أو محاماة القضية Cause lawyering وأبرز أبعادها، وكذا الدراسات التي تناولت الحالة المصرية على وجه التحديد.
كما تتناول الورقة الأطر السياسية والقانونية التي دفعت بمحاماة الحقوق لواجهة العمل السياسي، وحجم استهداف السلطات الأمنية للمحاماة الحقوقية في مصر منذ 2014، لتنتقل الورقة إلى مهنة الدفاع في ظل “أمننة القضاء”، ثم مستقبل محاماة الحقوق بين العمل النقابي أو الحقوقي في ظل المخاطر الأمنية والاستهداف السياسي.
وتطرقت الورقة أيضًا إلى التطور الوقائعي لـ “محاماة القضية”، في مقابل “محاماة المهنة أو محاماة القطاع الخاص” في مصر، وتحديدًا منذ مشهدية مذبحة مئات المواطنين في ميداني رابعة العدوية والنهضة، وما تلاه من تطبيع سرديات “المواطنين الشرفاء” في مواجهة ما اعتبرته السلطات “إرهابًا”، كما شرعت السلطة عددًا من القوانين والقرارات التي قررت عقوبات السجن المؤبد والإعدام على خلفية اتهامات شديدة التوسع والغموض بما قوض مبادئ وضمانات المحاكمة العادلة.
من جهة أخرى، أصدرت السلطات المصرية قانون مكافحة الإرهاب رقم 94/2015، وتعديلاته التي كان أخرها القانون 149/2021، ليتمدد تعريف “الإرهابي” بما يشمل الجمعيات الخيرية والمؤسسات الحقوقية كما التنظيمات العصابية، كما وسع أعمال “التمويل” و “الترويج” بما يشمل إتاحة أدوات أو وسائل القيام بالعمل المصنف بـ “الإرهابي” دون العلم بمقصدها، وعمم مدلول “الأموال” المستخدمة في تمويل الإرهاب ليشرع الاستيلاء على الملكية الخاصة والفردية، بما أضاف مزيد من الإشكالات للقانون سيئ السمعة 8/2015 الخاص بتنظيم قوائم الكيانات الإرهابية والإرهابيين.
بالتزامن مع دور قضاة دوائر الإرهاب بمحاكم الجنايات– لا سيما مشاهير المستشارين-، مثل؛ ناجي شحاتة، حسن فريد، وشيرين فهمي- المدانين بالولاء للنظام السياسي-، في تقويض حقوق الدفاع وإصدار أحكام قاسية بالسجن المشدد والإعدام وتفويت درجات التقاضي على المتهمين، كما قننت السلطة “الاستثناء” بتقرير ولاية القضاء العسكري في الجرائم الواقعة داخل/ على/ بحق “المنشآت العامة والحيوية” بصفتها منشآت “عسكرية” تتولى القوات المسلحة حمايتها.
وفي نفس الفترة، اتسعت تعديات السلطة التنفيذية على أعمال القضاء، فبالإضافة إلى إنشاء دوائر قضائية تختص بقضايا محددة لمحاكمة أشخاص معينين وانتقاء قضاتهم ممن يدينون بالولاء للنظام الحاكم، جاءت المواد 7،8،14 و15 من قانون الطوارئ، ومن بعدها التعديلات الدستورية لعام 2019، لتسمح لرئيس الجمهورية بالجمع بين منصبه الحالي ومنصب رئيس المجلس الأعلى للهيئات القضائية.
وفي ختام ورقتها، أكدت “لجنة العدالة” على أنه نتيجة لكل ما سبق، تحولت أدوار محاماة حقوق الإنسان من المحاججة الحقوقية والفكرية عن الحقوق والحريات والعدالة وسيادة القانون وفصل السلطات وحقوق المجتمع المدني، إلى مساع فردية ومنظمة لتوثيق وحصر وتسجيل انتهاكات حقوق الإنسان وضمانات المحاكمة العادلة والعمل الإنساني وتقديم الدعم المعنوي لضحايا الاعتقال التعسفي والقمع السياسي بوجه عام.
كما أشارت اللجنة إلى أن هذا يمثل أكبر تحديات الحركة الحقوقية في مصر منذ نشأتها إلى الوقت الحالي، حيث تعتمد مصداقية المحامين الحقوقيين على مساعدتهم الضحايا/ الموكلين بآليات وأدوات الدفاع الحقيقي- حتى وإن انتفت فعاليتها-، لا سيما تسجيل وقائع التعذيب والاختفاء القسري والدفوع بمناقشة الشهود وغيرها من الأدوات التي يمثل نجاحها في قضية واحدة بين آلاف القضايا أساس مصداقية الحركة الحقوقية لدى الموكلين وعموم المواطنين، كما يسهم في بناء قاعدة شعبية تتسع بفكر حقوق الإنسان والعمل الحقوقي عن المجموعات الحقوقية ومصالح المنظمات الضيقة إلى عموم الأفراد والمحامين.