قالت “لجنة العدالة” إن تزايد حالات الإعدام في مصر على خلفية اتهامات ذات طابع سياسي يمثل انتهاكًا صارخًا للحقوق الإنسانية الأساسية؛ وفي مقدمتها الحق في الحياة، مشيرة إلى أن هذه الأحكام غالبًا ما تصدر عقب محاكمات تفتقر إلى معايير العدالة والنزاهة، كذا اعتمادها – في كثير من الأحوال- على اعترافات انتزعت تحت وطأة التعذيب، مع غياب ضمانات الدفاع الكافية.
وفي هذا السياق، أصدرت الدائرة الأولى بمحكمة الجنايات، المنعقدة بمجمع محاكم بدر، حكمها في القضية رقم 5314 لسنة 2023 الحدائق، والمقيدة برقم 41 لسنة 2023 جنايات أمن دولة، والمعروفة إعلاميًا بـ “خلية نواة ثورية”، حيث قضت بالإعدام شنقًا لكل من:
– محمود محمد فتحي بدر (هارب)
– أحمد هشام بدر عبده خضر (هارب)
كما حكمت بالسجن المؤبد بحق أربعة متهمين آخرين، وهم:
– محمود إفراج أحمد أبو شنب (محبوس)
– محمود فؤاد محمد بدادة (محبوس)
– أيمن مصطفى أحمد محمد عباس (محبوس)
– مبروك محمد محمد عجين وشهرته جابر أبو عجين (محبوس)
كذا أمرت المحكمة بإلزام المحكوم عليهم بالسجن المؤبد، بالاشتراك في دورات إعادة تأهيل فكري لمدة خمس سنوات عقب تنفيذهم للعقوبة، وإلزامهم بالمصاريف الجنائية، إضافة إلى مصادرة المضبوطات المتعلقة بالقضية. كما قررت المحكمة إدراج المتهمين – إلى جانب الكيان الذي ينتمون إليه؛ وهو “المجموعات الثورية المسلحة لجماعة الإخوان المسلمين”-، ضمن قائمة الكيانات الإرهابية والإرهابيين، فضلاً عن وضعهم تحت مراقبة الشرطة لمدة خمس سنوات عقب انقضاء فترة العقوبة.
وتؤكد “لجنة العدالة” أن هذه الأحكام استندت بشكل رئيسي إلى تحريات أمنية أعدها ضباط من جهاز الأمن الوطني، دون تقديم أدلة مادية ملموسة تدعم هذه المزاعم. وقد سبق لمحكمة النقض المصرية أن أصدرت أحكامًا في العديد من القضايا السابقة اعتبرت فيها أن الاعتماد على التحريات فقط دون أدلة داعمة غير كافٍ لإصدار أحكام قضائية، وهو ما يجعل هذه القضية مثالاً آخر على المحاكمات التي تفتقر إلى معايير العدالة، ومحاكمة المتهمين في مثل هذه الظروف تجعل من تنفيذ هذه الأحكام بمثابة عملية قتل تعسفي تتعارض مع المبادئ الأساسية للقانون الدولي لحقوق الإنسان.
وتعرضت مصر لانتقادات متكررة من جهات دولية عدة بسبب التوسع في تنفيذ أحكام الإعدام، خاصة في القضايا السياسية. ففي عام 2018، حذرت مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، ميشيل باشيليت، من تنفيذ أحكام الإعدام بحق 72 متهمًا في قضية “فض اعتصام رابعة”، ووصفت هذه الأحكام بأنها تمثل “إجهاضًا للعدالة” لا يمكن إصلاحه، مشددة على أن المحاكمة افتقرت إلى الحد الأدنى من ضمانات العدالة.
وفي مذكرة أممية صادرة في سبتمبر 2021، أبدى خبراء أمميون قلقهم من تصاعد تنفيذ أحكام الإعدام في مصر، وأكدوا أن المحاكم المصرية لم تستوف معايير الإجراءات القانونية الواجبة، وأن تنفيذ الإعدام بعد محاكمة غير عادلة يشكل انتهاكًا جسيمًا للحق في الحياة، وقد يرقى إلى مستوى الجرائم ضد الإنسانية.
إلى جانب ذلك، أثارت القوانين المصرية الخاصة بمكافحة الإرهاب انتقادات واسعة، حيث أكدت المقرّرة الأممية الخاصة بمكافحة الإرهاب بالأمم المتحدة، فيونوالا ني أولاين، أن هذه القوانين تتسم بصياغات فضفاضة تُستخدم لقمع المعارضة السياسية، وتجريم حرية التعبير، والتوسع في الاعتقالات التعسفية، ما أدى إلى تآكل متزايد في منظومة حقوق الإنسان بالبلاد.
وفي ظل جميع ما سبق، تدعو “لجنة العدالة” السلطات المصرية إلى الوقف الفوري لتنفيذ أحكام الإعدام الصادرة في هذه القضية وغيرها من القضايا المشابهة، باعتبار ذلك خطوة ضرورية نحو إصلاح منظومة العدالة الجنائية في البلاد.
كما تطالب بإعادة محاكمة المتهمين أمام قاضٍ طبيعي، وليس أمام محاكم استثنائية، بحيث تتوافر لهم جميع الضمانات القانونية اللازمة، بما في ذلك الحق في تقديم أدلة الدفاع والتعامل مع القضية بحيادية واستقلالية تامة.
وتشدد اللجنة على ضرورة مراجعة القوانين المتعلقة بمكافحة الإرهاب، التي تعاني من غموض وصياغات واسعة تسمح بتفسيرها بطرق تعسفية، ما يؤدي إلى انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، وأنه يجب تعديل هذه القوانين بما يتماشى مع المعايير الدولية لحماية الحقوق والحريات الأساسية، بحيث لا تُستخدم كأداة سياسية لتصفية الحسابات مع المعارضين.
وأخيرًا، تحث “لجنة العدالة” المجتمع الدولي على تكثيف الضغط على السلطات المصرية لوقف تنفيذ الإعدامات السياسية، وضمان احترام المعايير الدولية لحقوق الإنسان، وتوفير سبل الانتصاف لعائلات المتهمين الذين أُعدموا بعد محاكمات تفتقر إلى أدنى درجات العدالة.