قالت “لجنة العدالة” إن أحكام الإعدام التي تصدر في مصر عن محاكم لا تستوفي معايير المحاكمة العادلة تمثل انتهاكًا صارخًا لمبادئ العدالة والقوانين المحلية والدولية، مشيرة كذلك إلى أن هذه الأحكام تمثل تهديدًا خطيرًا للحق في الحياة، الذي يُعتبر أحد أهم الحقوق الأساسية التي تكفلها المواثيق والمعاهدات الدولية التي وقعت عليها مصر، والتي تعد ملزمة قانونًا بتنفيذها. وأكدت اللجنة أن هذه الأحكام تؤثر سلبًا على ثقة المواطنين في نزاهة واستقلال القضاء المصري وتثير الشكوك حول مدى التزام الدولة بضمان العدالة وحماية حقوق الإنسان.
وتأتي هذه الانتقادات بعد أن أصدرت الدائرة الثالثة بمحكمة الجنايات، المنعقدة في مجمع محاكم بدر، برئاسة المستشار وجدي محمد عبد المنعم، وبمشاركة المستشارين وائل عمران وضياء حامد عامر، أحكامًا بالإعدام شنقًا على اثنين من المتهمين في القضية رقم 31369 لسنة 2023 جنايات المرج، المعروفة إعلاميًا بـ “خلية تفجير كنيسة النعمة الأولى بالمرج”.
حيث قضت المحكمة بإعدام كل من (محمد خالد إبراهيم عامر وأحمد كريم كاظم صادق)، بعد إحالة أوراقهما إلى فضيلة المفتي لإبداء الرأي الشرعي. كما أصدرت المحكمة أحكامًا بالسجن المؤبد على المتهمين (محمد أبو ضيف كرام محمد وعبد الله محمد عبد الله محمد).
وأيضًا تم الحكم بالسجن المشدد لمدة عشر سنوات على أربعة متهمين آخرين، بينهم؛ (عبد الناصر جمال الجزراوي سعد الله، أحمد سمير مأمون أحمد، وهبة محمد إدريس محمد ونهلة علي عبد المقصود السيد). في حين حُكم على ستة متهمات، وهن؛ (آية أحمد محمد الإمبابي حسن، سندس أحمد علي عبد الغني، نسيبة سيد أحمد جنيدي، مروة أحمد حسين متولي، سارة رأفت محمد شيرين أحمد وزينب سيد عطية حسن)، بالسجن المشدد لمدة خمس سنوات. كما شملت الأحكام إدراج جميع المتهمين على قوائم الإرهاب والكيانات الإرهابية.
وبدأت القضية في 27 فبراير 2023، عندما قامت قوات الأمن الوطني بإلقاء القبض على المتهم محمد خالد إبراهيم، وزوجته هبة إدريس، من منزلهما في منطقة دار السلام. تلت هذه الحادثة عمليات اعتقال أخرى طالت عددًا من الرجال وزوجاتهم، حيث تم التحقيق معهم بتهمة الانضمام لجماعة إرهابية أسسها المتهم الأول محمد خالد إبراهيم. ووجهت النيابة العامة للمتهمين اتهامات بالانضمام لجماعة إرهابية تهدف إلى الإخلال بالنظام العام وتعريض سلامة المجتمع وأمنه للخطر، والإضرار بالوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي.
وفي هذا السياق، تؤكد “لجنة العدالة” أن الأحكام الصادرة عن المحكمة جاءت من محكمة استثنائية، وهي محكمة جنايات أمن الدولة العليا، التي تفتقر إلى الحد الأدنى من معايير المحاكمات العادلة المعترف بها دوليًا.
وترى اللجنة أن هذه الأحكام استندت بشكل رئيسي على محاضر تحريات قدمها ضباط من جهاز الأمن الوطني دون تقديم أدلة مادية ملموسة، وهو ما رفضته محكمة النقض المصرية في العديد من القضايا السابقة، حيث اعتبرت الاعتماد على التحريات وحدها دون أدلة أخرى غير كافٍ لإصدار أحكام قضائية.
لذا، تطالب “لجنة العدالة” السلطات المصرية بوقف تنفيذ أحكام الإعدام الصادرة في هذه القضية وغيرها من القضايا المشابهة، مشيرة إلى أن هذه الخطوة هي الأولوية الأولى في مسار إصلاح العدالة الجنائية في البلاد، مشددة على أن الإعدام يمثل إهدارًا للحق في الحياة، وأن العقوبات النهائية يجب أن تصدر بعد محاكمات تتوافر فيها معايير المحاكمة العادلة.
كما تدعو اللجنة إلى إعادة محاكمة المتهمين أمام قاضٍ طبيعي؛ وليس أمام محاكم استثنائية مثل محكمة جنايات أمن الدولة العليا. ويجب أن تتوفر في هذه المحاكمات جميع الضمانات القانونية لمعايير العدالة، بما في ذلك الحق في الدفاع وتقديم الأدلة والتعامل مع القضايا بحيادية واستقلالية تامة.
كما تحث اللجنة مصر على مراجعة القوانين المتعلقة بمكافحة الإرهاب، التي تعاني من عدم وضوح وتطبيق معايير فضفاضة يمكن أن تؤدي إلى انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان، داعية إلى ضرورة تعديل هذه القوانين لضمان توافقها مع المعاهدات والمواثيق الدولية التي تحمي الحقوق والحريات الأساسية.
أيضًا تدعو اللجنة السلطات المصرية بالإفراج عن المتهمين في هذه القضية؛ لحين الفصل النهائي في التهم الموجهة إليهم، كخطوة أولى نحو تحقيق العدالة وضمان المحاكمة العادلة.
وتكرر اللجنة دعوتها للسلطات المصرية بوقف تنفيذ عقوبة الإعدام بشكل دائم، واستبدالها بعقوبات أقل قسوة تتناسب مع معايير حقوق الإنسان الدولية، مشيرة إلى أن هذه العقوبة لا تعطي فرصة لإصلاح الأفراد أو تحقيق العدالة الحقيقية، مع النظر بجدية في الطلبات الأممية التي دعت إلى إلغاء عقوبة الإعدام.
وتحث اللجنة المجتمع الدولي على الضغط على مصر لوقف تنفيذ الإعدامات السياسية وضمان احترام حقوق الإنسان، مع ضرورة توفير سبل الانتصاف لعائلات المتهمين الذين أعدموا بناءً على محاكمات غير عادلة.