قالت “لجنة العدالة” إن ملف المحتجزين على ذمة قضايا سياسية في مصر ما يزال ملف مؤرق لكل مهتم بالشأن الحقوقي، مضيفة أن الانتهاكات ضد هؤلاء المحتجزون تفاقمت أكثر وأكثر بسبب حالة اللامبالاة التي يتعامل بها المجتمع الدولي مع قضيتهم، وإعلاء حسابات المصالح السياسية والاقتصادية فوق مبادئ حقوق الإنسان واحترامها في العلاقة مع النظام القائم في مصر.
جاء ذلك عقب تلقي اللجنة رسالة تحمل نداء استغاثة من المحتجزين السياسيين بسجن الوادي الجديد، الشهير بأسماء عدة، منها؛ المنفى، الواحات، المحاريق وتوكر، وهو أحد أقدم وأشهر السجون السياسية في مصر، ويقع في قلب الصحراء الغربية، في مدينة الخارجة بالقرب من قرية الشركة بمحافظة الوادي الجديد، ويبعد نحو 630 كيلو متر عن القاهرة، يشكون فيها من تعرضهم لانتهاكات حقوقية جسيمة.
وبحسب الرسالة؛ فإن معاناة المحتجز سياسيًا داخل هذا السجن تبدأ من لحظة استقباله، حيث يتم استقبالهم بما يُعرف بـ “التشريفة”، حيث يتم صف مخبرون وعساكر الأمن المركزي بالسجن صفين وينهالون بالضرب بالأيدي والعصي وأسلاك الكهرباء عليهم لعدة ساعات متواصلة، حتى يسقطوا فاقدي الوعي، وحينما يفيقون يجدون أنفسهم بداخل زنزانة “التأديب”؛ وهي زنزانة لا تتعدى مساحتها الثلاثة أمتار، بلا كهرباء أو ماء، عبارة عن أربعة جدران فقط، ويستمر احتجازهم في التأديب لمدة 6 أشهر على الأقل، وقد تصل إلى سنة أو عدة سنوات؛ كما هو الحال الآن مع بعض المحتجزين.
ويضيف المحتجزون أنه بداخل غرفة التأديب يتم صرف كيس مياه واحد للفرد يوميًا لا يتعدى اللتر، وكذلك رغيف خبر واحد فقط، ما أحال الكثير من المحتجزين سياسيًا داخل السجن إلى هياكل عظمية نتيجة لقلة التغذية، كما يتم تسليم كل محتجز كيس فارغ ليقضي فيه حاجاته حيث لا تتوافر دورات مياه بداخل التأديب!
وعقب الخروج من غرف التأديب، تأتي مرحلة ما يُعرف بـ “المصفحة”؛ وهي غرف لا تختلف كثيرًا عن غرف التأديب؛ ولكنها غرف جماعية مساحتها 16 مترًا تقريبًا، ودون دورات مياه أيضًا أو أي أدوات نظافة شخصية أو عامة، ويسكن بها 65 فردًا فأكثر! ونتيجة للتكدس وانعدام النظافة تنتشر بداخل تلك الغرف الإصابة بالجرب والأمراض الجلدية، ويستمر الاحتجاز فيها من شهرين إلى 6 شهور.
ويأتي بعد ذلك دور غرف “الدواعي”؛ وهي غرف مساحتها 24 مترًا تقريبًا، ويسكن بها 30 فردا، ويتوافر بها دورة مياه؛ ولكن بلا أي أدوات نظافة، وتستمر هذه المرحلة أيضًا من شهرين إلى 6 شهور، لينتقل المحتجز سياسيًا عقب كل هذه الأهوال إلى غرف “التسكين”.
وفي غرف “التسكين” يعاني المحتجز سياسيًا داخل سجن الوادي الجديد من سوء التغذية، والإهمال الطبي، ومنع التريض عنه، وسوء أحوال الزيارات العائلية، والتي تمتد فيها المعاناة إلى الأهالي الذين يعانون من بُعد السجن، وكذلك التعامل السيئ من مخبري السجن المسؤولين عن تفتيش الزيارات، كما أن الزيارة ذاتها تتم من وراء السلوك ولمدة 7 دقائق فقط، ويخرج فيها المحتجز وهو مقيد اليدين من الخلف بقيود حديدية “كلابشات”!
كذلك تم التعدي على أهالي المحتجزين – أكثر من مرة- من قبل مخبري السجن، حيث قام مخبر بالأمن الوطني يُدعى “عادل” بالتعدي بالضرب على شقيقة أحد المحتجزين، أضف لذلك حالات التفتيش الذاتي التي تمت بحق بعض النساء في الزيارات، وذلك بأن تقوم إحدى السيدات العاملات في السجن بخلع ملابس الضحية بالكامل وتفتيشها بإدخال يديها في أماكنها الحساسة أكثر من مرة عن عمد، في تعد واضح على الحق في الخصوصية.
كما ذكرت الرسالة أن كل تلك الممارسات والانتهاكات، تتم بتعليمات وتحت إشراف رئيس المباحث بالسجن، حسام الدسوقي، ومأمور السجن، سليمان حيدر، وضباط الأمن الوطني به، أحمد ياسر وشهاب، ومخبر الأمن الوطني ويُدعى “عادل”.
ولذلك؛ تعتبر “لجنة العدالة” أن السكوت عن تلك الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان داخل مقار الاحتجاز في مصر غير مبرر، ويحتاج إلى تدخل عاجل لا للإهمال في تلك النقطة الحساسة بمسار دعم الحريات والحقوق بمصر، وأن عزوف المجتمع الدولي مؤخرًا عن تناول ذلك الملف منح السلطات المصرية ضوءًا أخضر للتعامل بكل أريحية نحو مزيد من الانتهاكات والإذلال للمحتجزين سياسيًا في مصر.
كما تحمل اللجنة إدارة سجن الوادي الجديد، مسؤولية سلامة المحتجزين السياسيين لديها، وتؤكد على رفضها الانتهاكات والاعتداءات التي وقعت عليهم، وتشدد كذلك على تضامنها الكامل معهم، وأن حرمانهم من الحصول على حقوقهم الإنسانية الأساسية هو أمر لا إنساني وغير قانوني ويحتاج إلى مراجعة فورية، داعية لفتح تحقيقات شفافة وعاجلة حول الانتهاكات التي طالتهم، ومحاسبة المسؤولين عنها ومنع إفلاتهم من العقاب.
وأيضًا تدعو اللجنة السلطات في مصر بالتوقف عن التعامل الأمني مع ملف المحتجزين على ذمة قضايا سياسية، مع إيجاد مزيد من الضغط الدولي على مصر لمنح المنظمات الأممية والحقوقية- الدولي منها والمحلي- حق زيارة تلك المقرات؛ لمراقبة الأوضاع ورصد الانتهاكات بداخلها، كذلك أن تأخذ النيابة المصرية دورها المهم والحاسم في التعامل مع تلك الانتهاكات؛ لوقفها وردع كل مرتكبيها، مع ضرورة تشكيل آلية أممية مستقلة تتولى مراقبة وتقييم أوضاع حقوق الإنسان في مصر؛ يتم تكليفها بالتحقيق والإبلاغ عن مثل هذه الانتهاكات في أماكن الاحتجاز.