قالت “لجنة العدالة” إن إقرار السلطات المصرية للقانون رقم 3 لسنة 2024، بشأن تأمين وحماية المنشآت والمرافق العامة والحيوية في الدولة، والذي وافق عليه مجلس النواب، ونشر بالجريدة الرسمية يوم 5 فبراير/ شباط 2024؛ هو تكريس لهيمنة السلطة العسكرية على المدنيين في مصر (عسكرة الدولة)؛ ما يعمق أزمة الحريات السياسية والأساسية في البلاد، كما يخالف العديد من المواثيق والعهود الدولية الموقعة عليها مصر، والتي تلزمها بمثول المتهم أمام قاض طبيعي.
فالقانون رقم 3 لسنة 2024؛ هو صورة أشد انتهاكًا للقانون رقم 136 لسنة 2014، والذي صدر ليطبق لمدة عامين فقط، وفي ظل أوضاع استثنائية سابقة، بينما القانون الجديد له صفة الديمومة وغير محدد بمدة؛ ما يفتح الباب على مصراعيه أمام مزيد من المحاكمات العسكرية (الاستثنائية) للمدنيين، وذلك من خلال عباراته الغامضة والفضفاضة، وصلاحيات الضبط القضائي التي تم منحها لأفراد القوات المسلحة بشكل موسع.
كذلك لم يكتف القانون بمنح سلطات الضبط القضائي والإحالة للقضاء العسكري في وقائع الاعتداء على المنشآت العامة والحيوية فقط؛ ولكن أيضًا الأمور التي تضر باحتياجات المجتمع الأساسية، ومنها؛ السلع والمنتجات التموينية وغيرها من المقومات الأساسية للدولة أو مقتضيات الأمن القومي والتي يصدر بها قرار من رئيس البلاد أو من يفوضه بعد أخذ رأي مجلس الدفاع الوطني.
وتوضح “لجنة العدالة” أن الأصل في حماية المنشآت العامة أنها تخضع لوزارة الداخلية (وهي وزارة مدنية)، كما أن المنشآت العامة هي أماكن يرتادها المدنيون ومجال حركة طبيعية لهم، أيضًا فإن الجرائم التي تقع فيها ضمن لها قانون العقوبات المصري التنظيم الكافي لكي تنظر أمام القضاء الطبيعي بعيدًا عن تعرض المدنيين للمحاكمات العسكرية؛ والتي تعد في كونها سلبًا على ولاية القضاء العادي في نظر القضايا التي تدخل في اختصاصه.
ومن المعروف أن إصدار تعديل قانون القضاء العسكري في 2 فبراير 2014، كان له كبير الأثر في ازدياد عدد المحاكمات العسكرية بمصر، حيث- على أساسه- تم تعديل المحاكم العسكرية لتكون مثلها مثل المحاكم الطبيعية، فتم إنشاء محكمة للجنح، ومحكمة للجنح المستأنف، ومحكمة للجنايات، ومحكمة للطعون العسكرية والتي تسمى بالمحكمة العسكرية العليا للطعون. ومؤخرا تم تعديل عمل محكمة الاستئناف العسكرية لتنظر استئناف الأحكام قبل الطعن عليها أمام محكمة الطعون العسكرية.
كذلك، في عام 2014، أصدر الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، قرارًا بالقانون رقم 136 لسنة 2014، في شأن حماية وتأمين المنشآت العامة والحيوية، والذي ألغي بصدور هذا القانون بعد تضمين المواد بشكل موسع بالقانون الأخير؛ والذي ترتب عليه توسع اختصاصات القضاء العسكري لتشمل عددًا كبيرًا من الجرائم التي اعتادت المحاكم المدنية نظرها والفصل فيها. وترتب على ذلك مثول 11465 من المدنيين أمام القضاء العسكري في الفترة الزمنية من يوليو/ حزيران 2013، وحتى نهاية ديسمبر/ كانون الأول 2017، وفقًا لتقرير سابق لـ “لجنة العدالة”.
وبسبب كل هذا العبث بالقانون المصري، يتعرض المدنيون المحالون للقضاء العسكري إلى اليوم لانتهاكات فجة، فبحسب شهادات لمحامين عدة ترافعوا أمام القضاء العسكري، لم يكن يسمح لهم بالاطلاع على محضر الاتهامات ولا تصوير أوراق القضية، كما أن التحقيقات بداخل النيابة العسكرية هي مرحلة “صورية”، حيث تأتي أقوال المتهمين “جاهزة” من النيابات العامة أو نيابات أمن الدولة، وتكون بحضور محام، ويكون دور وكيل النيابة العسكري فقط إحالتها للقضاء، وحتى في المحكمة يكون اعتبار سرعة الفصل لأنه قضاء “ناجز” بغض النظر عن العدالة.
كل تلك الانتهاكات دفعت المحكمة الدستورية المصرية لإصدار حكم في عام 2017، بعدم جواز محاكمة المدنيين عسكريًا- من المتهمين على خلفية أحكام قانون التظاهر-، حيث كان القانون يحيلهم للمحكمة العسكرية والقضاء العسكري.
و “وضعت المحكمة الدستورية ضوابط لتطبيق تعديلات قانون حماية المنشآت العامة، منها أن يكون الاعتداء على المنشأة اعتداءً واضحًا، وأن تكون قوات الجيش متواجدة بالفعل لحماية المنشأة، وأن تكون الجريمة المرتكبة يعاقب عليها في قانون العقوبات المدني”. وكل ذلك لم يكن متضمنًا بالقانون؛ وإنما هو تفسير جديد من قبل المحكمة الدستورية في محاولة لتضييق خضوع المدنيين لهذا القانون الصادر آنذاك.
وبالتالي؛ ترى “لجنة العدالة” أن إصدار القانون الجديد سيعمل على زيادة المحاكمات العسكرية للمدنيين، رغم كونه قضاء يفتقد لمعايير العدالة المتعارف عليها، و “استثنائي” لا يجوز التوسع في اختصاصاته وإخضاع المدنيين لأحكامه.
كما اعتبرت اللجنة أن القانون هو تقنين مستتر لقوانين الطوارئ المصرية سيئة السمعة، فالسلطات المصرية ألغت قانون الطوارئ، وقامت بإرجاعه بشكل ملتو حيث يسمح القانون الجديد بإخضاع الجرائم التي تقع على المنشآت والمرافق العامة والحيوية والتلاعب بأي نوع من أنواع الخدمات والسلع الأساسية لاختصاص القضاء العسكري، وهو توجه يدل على التعامل العسكري والصرامة والحسم في التعامل مع المواطنين المدنيين، ما يعني استدعاء المؤسسة العسكرية للتدخل بشكل مباشر مع المواطنين؛ ما قد يتسبب في أزمة لها جوانب مجتمعية خطيرة.
لهذا؛ تطالب “لجنة العدالة” بوقف العمل بالقانون رقم 3 لسنة 2024، بشأن تأمين وحماية المنشآت والمرافق العامة والحيوية في الدولة، لما له من آثار سياسية وقانونية ومجتمعية سلبية، والاعتماد على ما جاء في قانون العقوبات المصري من مواد تحمي المنشآت العامة والحيوية وتضع عقوبات رادعة لكل من يحاول الاعتداء عليها، وإحالة كافة القضايا المحكوم فيها عسكريًا، والقضايا التي لا تزال تُنظر أمام القضاء العسكري، إلى النيابة العامة أو القضاء الطبيعي، وإعادة إجراءات المحاكمة فيها وفق قانون العقوبات المصري، حتى يتمكن المتهمون من حصولهم على حقهم في كفالة الدفاع القانوني المناسب لاتهاماتهم.
كذلك الإفراج الفوري عن المدنيين الصادر بحقهم أحكامًا من المحاكم العسكرية، وإصدار قرار من رئيس الجمهورية بإلغاء الأحكام الصادرة من المحاكم العسكرية ضد المدنيين وفقًا لقواعد التصديق على الأحكام الواردة في قانون القضاء العسكري المادة 98 وحتى 116، وخاصة البند الرابع من المادة 99 من القانون سالف الذكر، على أن يتضمن قرار إلغاء الأحكام الصادرة من المحاكم العسكرية بحق المدنيين الفترة من فبراير/ شباط 2011 وحتى الآن.
كما تدعو اللجنة السلطات المصرية لتعديل المادة 204 من الدستور؛ لتمنع بشكل قاطع محاكمة المدنيين أمام القضاء العسكري.