قالت “لجنة العدالة” إن الظلم والتطرف وجهان لعملة واحدة، فإذا تواجد الظلم كان للتطرف نصيب كبير من الوجود، فالظلم ما هو إلا نتاج لتغلب مكون السلطة على مكون الشعب؛ ما يساعد على إيجاد مساحات كبيرة للتطرف لكي يتحرك داخل أروقة المجتمع بأريحية، فالشخص الذي يظلم ويحرم من حقوقه الإنسانية الأساسية، يكون أكثر عرضة لتأثر بالأفكار المتطرفة.
ومن خلال ورقة بحثية تحمل عنوان “صناعة التطرف داخل مقرات الاحتجاز والسجون في مصر.. وآثارها الاجتماعية والأمنية وسبل فك الارتباط” تعرض المؤسسة العلاقة بين الفساد المؤسسي، وفبركة الاتهامات، والمحاكمات غير العادلة، والتعذيب والإهمال الطبي وضروب سوء المعاملة الأخرى، وسياسة التسكين التي قامت بوضع السجناء السياسيين والجنائيين والمتطرفين بنفس العنابر والزنازين، وبين عمليات التجنيد من قبل المتطرفين.
كما تكشف الورقة الآثار الاجتماعية والحقوقية والأمنية المترتبة على انتشار التطرف وعمليات التجنيد داخل السجون المصرية، مع وضع مقترحات لسبل فك الارتباط لمنع ومواجهة التطرف، ورصد الآثار المترتبة على انتشار عمليات التجنيد من قبل تكفيريين ومتطرفين داخل السجون المصرية.
وتبحث الورقة في مفهوم التطرف في الأدبيات السابقة، موضحة أن التطرف يمكن أن يتمثل في بعض من السجناء كأفراد أو جماعات حاقدين على أفراد وأجهزة الدولة بسبب ما تعرضوا له من ظلم وتنكيل وتعذيب وعدم إيجادهم لآلية أو مؤسسة تنصفهم وتعوضهم. وهو ما سعت إليه الدولة المصرية منذ يوليو 2013، في إظهار الإسلام السياسي– وتحديدًا جماعة الإخوان المسلمين- على أنه “القطب المتطرف” داخل المجتمع، مع ربط جميع أعمال العنف به ليتم وصمه وتبرير العنف المستخدم ضد أفراده، ولاحقًا تم ضم كل من يعارض النظام السياسي على قائمة تلك الاتهامات وليس معتقلي التيار الإسلامي فقط.
وربطت الورقة البحثية بين الفساد المؤسسي وانتشار التطرف، فمع سعي مؤسسات الدولة المصرية لإحكام سيطرتها على المجال العام، أوجدت علاقات غير رسمية ومحسوبيات بين مسؤولي المؤسسات التنفيذية ووزير الداخلية ووكلاء النيابات ورؤساء هيئة الأمن الوطني، وصولاً إلى رؤساء الأقسام وأفراد الصف داخل مؤسسات الأمن. كما تمتد محاولات الدولة لإحكام سيطرتها إلى داخل مقرات الاحتجاز والسجون، حيث ضعف الرقابة على تعاملات العاملين بمصلحة السجون مع المعتقلين/ السجناء، وضعف الرقابة أيضًا على تعاملات السجناء مع بعضهم البعض. ويعتبر ذلك من أبرز أسباب الفساد المؤسسي داخل مقرات الاحتجاز الذي يؤدي لانتشار الأفكار المتطرفة داخل السجون ومقار الاحتجاز بمصر.
وتؤكد الورقة كذلك على أن مهمة “صناعة العدو” الذي أدمنتها السلطات المصرية مع كل من يعارضها، أعطت الضوء الأخضر لجميع المؤسسات- المؤسسات الأمنية بشكل خاص- إلى القمع والتعذيب والاعتقالات العشوائية التعسفية وتحويل مؤسسات الإصلاح والتأهيل إلى مؤسسات تقوم على تأهيل المعتقلين/ السجناء إلى الجنون والانعزال والوفاة؛ وليس لتأهيلهم ليصبحوا مواطنين صالحين قادرين على
الاندماج في المجتمع من جديد، وهو ما دفع بعض المعتقلين/ السجناء وجعلهم أكثر عرضة للأفكار المتطرفة.
كذلك سياسة التسكين التي تتبعها السلطات المصرية داخل السجون ومقار الاحتجاز من وضع المحتجزين السياسيين مع من يحملون أفكارًا متطرفة، وكذلك الاكتظاظ الشديد داخل تلك المقار؛ كل ذلك أدى لانغلاق السجناء على مجموعات فرعية للتنافس على الموارد الشحيحة والمكانة الاجتماعية داخل السجن، بالإضافة للإهمال الطبي، وفبركة الاتهامات والأحكام القضائية المسيسة، كل ذلك أوصل الكثير من المحتجزين إلى نقطة “اللاعودة”، ما جعلهم أكثر عرضة للتأثر بالأفكار المتطرفة.
وتطرقت الورقة البحثية للآثار الاجتماعية والأمنية لانتشار التطرف داخل السجون ومراكز الاحتجاز، مع التأكيد على أن الوصمة الاجتماعية التي تلاحق المحتجزين بعد خروجهم والضغط الأمني عليهم وحاجتهم للانتماء إلى جماعة تحميهم من النظرة المجتمعية الدونية تلك كل ذلك يؤدي بالفرد للانضمام إلى جماعات متطرفة فكريًا.
وشددت الورقة على أن العدالة والتوقف عن فبركة الاتهامات والمحاكمات غير العادلة، مع احترام الحد الأدنى للحقوق الإنسانية في معاملة السجناء داخل مقار الاحتجاز في مصر، وتأهيل وتدريب العاملين داخل مقار الاحتجاز والسجون لكي تكون نظرتهم للسجناء على أنهم ضحايا، وتأهيل المحتجزين للاندماج في المجتمع كل تلك العوامل ستؤدي إلى فك الارتباط ومنع ومواجهة عمليات التطرف والتجنيد داخل مقار الاحتجاز والسجون في مصر.
وفي ختام ورقتها البحثية، دعت “لجنة العدالة” إلى وقف ضروب سوء المعاملة والتعذيب والانتهاكات الأخرى بحق السجناء والمعتقلين، وحصول المعتقلين السياسيين والجنائيين على محاكمات عادلة تنصفهم، مع تجريم اتهام المعارضين السياسيين والناشطين على قضايا ذات طابع سياسي.
كما طالبت اللجنة بنقل تبعية مصلحة السجون المصرية من وزارة الداخلية إلى وزارة العدل بإشراف ومراقبة مستقلة من قبل هيئات مدنية، مع ضرورة وقف عمليات التسكين العشوائي للمعتقلين والسجناء، ووضع آلية لعزل السجناء المتطرفين عن بقية السجناء، ووضع آلية للتأهيل النفسي والاجتماعي للسجناء المتطرفين.
كما حثت اللجنة السلطات المصرية على إدخال إصلاحات على منظومة السجون لديها، وتدريب العاملين بها، ووضع تشريعات جديدة تتوافق مع القواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء.