أصدر المفوض السامي لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة، تقريرًا حمل عنوان “تأثير التدابير الإدارية والأمنية على حقوق الإنسان”، والذي سلط الضوء على العلاقة المعقدة بين التدابير الحكومية الرامية إلى مكافحة الإرهاب وحماية الأمن الوطني من جهة، وحماية الحقوق والحريات الأساسية من جهة أخرى.
ويهدف التقرير الأممي إلى دراسة التدابير الإدارية المتخذة من قبل الدول ومدى تأثيرها على الحريات الأساسية، مع التركيز على ضمان توافق هذه التدابير مع القوانين الدولية لحقوق الإنسان، كما يشير التقرير إلى التحديات المتعلقة بفرض قيود غير مبررة على الحيز المدني، وتقليص الحريات تحت ذريعة مكافحة الإرهاب.
وتعاونت “لجنة العدالة” في إعداد هذا التقرير؛ من خلال الاجتماعات المتعددة التي عقدتها مع فريق مكتب المفوض السامي. وخلال هذه الاجتماعات، قدمت اللجنة تحليلاً شاملاً حول الآثار السلبية للتدابير الإدارية المتخذة في عدة دول، مستندة إلى تقارير ميدانية وشهادات منظمات المجتمع المدني. كما قدمت اللجنة تقريرًا مفصلًا لمكتب المفوض يتناول الآليات التشريعية والتنفيذية المستخدمة من قبل بعض الحكومات لتقييد الحريات الأساسية، ويكشف عن الاستخدام المتزايد لقوائم الإدراج والعقوبات الإدارية ضد المدافعين عن حقوق الإنسان والمعارضين السياسيين.
كان من أهم مساهمات لجنة العدالة في هذا الإطار، توفير بيانات محدثة ودراسات حالة حول تأثير هذه التدابير على الفئات المستهدفة، وخاصة الأقليات والمهاجرين والمدافعين عن حقوق الإنسان. كما عملت اللجنة بشكل وثيق مع مكتب المفوض السامي لتقديم توصيات عملية تستند إلى مبادئ القانون الدولي لحقوق الإنسان، بهدف ضمان تحقيق التوازن بين متطلبات الأمن واحترام الحقوق والحريات الأساسية.
ولفت التقرير الأممي إلى أن بعض البحوث أشارت إلى حدوث تحول في سياسات الدول في جميع أنحاء العالم من مواجهة الإرهاب إلى منعه، وأدى توسيع نطاق الجرائم التحضيرية والدعم المادي بهذه الطريقة إلى معاقبة الأفراد على نواياهم المفترضة بدلاً من أفعالهم الفعلية. كما أن التوسع في استخدام التدابير الإدارية في مكافحة الإرهاب قد يقوض مبدأ اليقين القانوني.
كما أنه كان لتلك التدابير الإدارية أثر على حقوق الإنسان الأساسية؛ حيث هددت بعض التدابير الإدارية الحريات الأساسية، وأسهمت في تقليص الحيز المدني، بما فيها، على سبيل المثال، ممارسات الإدراج في قوائم معينة والعقوبات.
وأشار التقرير إلى أن مجلس الأمن طلب من الدول وضع معايير وإجراءات واضحة بشأن الإدراج والقيود المفروضة والمعايير المعروفة والمشتبه فيهم، واشترط أن تتوافق هذه التدابير مع القانون المحلي والقانون الدولي لحقوق الإنسان؛ غير أن الطريقة التي نفذت بها التدابير الإدارية قد أثرت– في الممارسة على حقوق الإنسان، وهو ما تبين من الممارسة الفعلية، من منع الأفراد من السفر أو سحب جوازات سفرهم بموجب قرارات محلية ودون طعن أمام المحاكم أو رقابة قضائية فعالة.
كذلك أدرجت التدابير في بعض السياقات لتستهدف المدافعين عن حقوق الإنسان والمعارضين، والأشخاص المنتمين إلى الأقليات. وفي سياقات أخرى، استخدمت السلطات التنفيذية مكافحة الإرهاب لتقييد حرية التجمع السلمي والتعبير عن الرأي دون مبرر، وأقرت تدابير إدارية أخرى مثل الحرمان من الجنسية، والقيود المفروضة على السفر، والاحتجاز.
وهو ما ذكرته “لجنة العدالة” في تقريرها المقدم قبل، من أنه في السنوات التي أعقبت الانقلاب العسكري في عام 2013، انخرطت حكومة مصر في حملة قمع علنية وشاملة ضد المجتمع المدني، ولا سيما من خلال تطبيق التدابير الإدارية، التي تهدف ظاهريًا إلى مكافحة الإرهاب، ولكنها أدت في الممارسة العملية إلى قمع الأصوات المعارضة، وتقويض الحريات المدنية، وتعزيز الحكم الاستبدادي للرئيس السيسي في مصر.
كما ذكر التقرير أنه على مدى العقد الماضي، أصبحت القرارات التعسفية ذات الدوافع السياسية بإدراج الأفراد على قوائم الإرهاب ممارسة شائعة في مصر، وإن استخدام الإدراج التعسفي والانتقامي على قوائم الإرهاب ضد المواطنين السلميين يثير مخاوف خطيرة ومثيرة للقلق بشأن الأدوات القانونية والإدارية التي تستخدمها الحكومة المصرية الحالية لقمع حرية التعبير وتكوين الجمعيات. كما يعكس قرار وضع الأفراد على قائمة الإرهاب الافتقار إلى استقلال القضاء وتواطئه في خنق الأصوات المعارضة.
واختتم التقرير بعرض توصيات مقدمة للدول ولأليات الأمم المتحدة كالتالي:
وأوصى التقرير الأممي الدول: (أ) بضرورة أن يكون الأساس القانوني للتدابير الإدارية شفافاً ومحدداً، وأن تتوافق الإجراءات المرتبطة بالإرهاب مع المعايير الدولية، بما في ذلك مبدأ الشرعية، وأن تكون التدابير الضرورية متوازنة وغير تمييزية.
(ب) ضمان مرافقة التدابير الإدارية بضمانات إجرائية كافية، تشمل المحاكمة العادلة، خاصة عندما تكون مشابهة للتهم الجنائية وفق القانون الدولي لحقوق الإنسان.
(ج) ضرورة إجراء تقييمات مسبقة لتأثير التدابير الإدارية على الفئات المختلفة، مع التركيز على الفئات المعرضة للتمييز، واتخاذ تدابير لمعالجة الآثار السلبية مثل الوصم.
(د) عدم استخدام التدابير الإدارية لفرض قيود غير مبررة على حقوق الإنسان، والتأكد من أنها لا تتجاوز القانون الجنائي، مع ضمان إشراك المجتمع المدني.
(هـ) تجنب استخدام التشريعات كأداة لقمع حقوق الإنسان أو تقليص الحيز المدني بشكل غير مبرر، واتخاذ خطوات لإزالة الكيانات المدرجة خطأً وضمان وجود سبل انتصاف فعالة.
وفيما يخص الأمم المتحدة، قدم التقرير التوصيات التالية:
– تشجيع كيانات الأمم المتحدة على تكثيف جهودها لتعزيز احترام حقوق الإنسان في تدابير مكافحة الإرهاب، ومساعدة الدول في وضع تدابير إدارية متوافقة مع حقوق الإنسان.
– تعزيز التوجيه التقني للدول الأعضاء لضمان رقابة مستقلة على التدابير الإدارية ومنع إساءة استخدامها، وحماية الحيز المدني.
– تقديم الدعم للدول لتقييم آثار التدابير الإدارية والتوصية بإصلاحات قائمة على الأدلة لتخفيف آثارها السلبية على حقوق الإنسان.
– استمرار آليات الأمم المتحدة في التفاعل مع الدول لتصحيح الآثار السلبية للتدابير الإدارية المتعلقة بمكافحة الإرهاب.