قالت “كوميتي فور جستس” إنه كالعادة لا جديد على أرض الواقع الحقوقي في مصر؛ في ظل تعنت من سلطات البلاد في وقف الانتهاكات الحقوقية ومحاسبة المسؤولين عنها، أو في إدمان السلطات لـ”البروباجندا” الإعلامية أكثر من تنفيذ الوعود الحقوقية، ما أفقد العديد من الخطوات الجيدة التي قامت بها السلطات لقيمتها كونها قائمة على افتعال “الضجة الإعلامية” فقط دون أي مردود حقوقي.
وأوضحت المؤسسة أن ذلك يظهر جليًا من خلال الانتهاكات الحقوقية التي تلاحق “مجمع سجون بدر”، الذي افتتحته السلطات المصرية لكي يكون بديلاً عصريًا عن السجون التقليدية القديمة – سيئة السمعة دوليًا – القائمة بعضها في مصر منذ بداية القرن المنصرم.
و”مجمع سجون بدر”، افتتحته السلطات في مصر بنهاية عام 2021، في منطقة “بدر” بالصحراء الشرقية قرب العاصمة الإدارية الجديدة (على بعد أقل من 60 كلم شرق القاهرة)، تحت مسمى “مركز الإصلاح والتأهيل بدر”، وسط أجواء دعائية تروج لمزاعم حكومية حول تنفيذ استراتيجية جديدة تكفل توفير ظروف ملائمة للسجناء.
تم إنشاء مجمع “بدر” على مساحة 85 فدانًا، والذي تم إعداده – بحسب صحف رسمية – لاستقبال النزلاء المحكوم عليهم بمدد قصيرة، وبناء عليه سيتم غلق 3 سجون عمومية إضافية بمجرد التشغيل الكامل. ويضم المركز 3 مراكز فرعية، ومركز خاص للنساء، ويتم إدارة المركز من خلال مبنى القيادة المركزية المتواجد في وسط المراكز، ويضم غرفة تحكم رئيسية مرتبطة بغرف تحكم فرعية بكل مركز، كما يضم المركز مجمعًا للمحاكم، يحتوي على 4 قاعات لجلسات المحاكمة منفصلة إداريًا بسعة 100 فرد للقاعة الواحدة.
وروجت السلطات من خلال فيلم دعائي أذاعته عبر القنوات المصرية الرسمية والخاصة بعنوان “بداية جديدة” لفكرة أن ذلك المجمع هو الحل الأمثل للمشاكل الحقوقية المتعلقة بسوء أوضاع الاحتجاز في مصر، ولكن البداية الحقيقية التي كانت تقصدها السلطات هي بداية فصل جديد من الانتهاكات المروعة ضد السجناء بمجمع “بدر“.
وذكرت “كوميتي فور جستس” أن السلطات المصرية أرادت انتهاك الحقوق الأساسية لمواطنيها المحتجزين بمجمع “بدر” حتى قبل أن تفتحه، حيث أسست لقاعات تعقد فيها جلسات المحاكمة للمحتجزين فيه، في عصف واضح المعالم باستقلالية القضاء وفي انتقاص لمعايير المحاكمة العادلة، حيث لا يمكن للمحتجز أن يدافع عن نفسه ولا من ينوب عنه داخل أسوار السجن الذي تحتجز فيه حريته.
أيضًا أضافت المؤسسة أنه رغم أن المجمع يضم ثلاثة ٣ مراكز تأهيل إلى جانب المركز الطبي المجهز بسعة ١٧٥ سريرًا، وغرفتي عمليات، وحجرة عمليات قسطرة، و18 غرفة عناية مركزة، و11 عيادة خارجية، و4 وحدات للغسيل الكلوي، إلا أنها رصدت شكاوى عديدة لمحتجزين بالمجمع من الإهمال الطبي.
كذلك أشارت المؤسسة إلى أن أوضاع الاحتجاز داخل المجمع “غاية في السوء”، حتى أن أهالي المحتجزين فيه أطلقوا عليه لقب “العقرب الجديد”، نسبة إلى سجن العقرب شديد الحراسة وذو السمعة السيئة دوليًا.
ورصدت “كوميتي فور جستس” بعض الأوضاع السيئة داخل المجمع، والتي منها؛ منع دخول الكثير من الاغطية والملابس للمحتجزين في سجن “بدر 3″؛ رغم انخفاض درجات الحرارة خلال تلك الفترة من العام، كذلك بالنسبة للطعام؛ الذي هو من أساسيات الحقوق الإنسانية، فالسجن يتعمد التضييق على المحتجزين وذويهم، حيث تم منع إدخال اللحوم والفراخ والبيض، ومنع الأسماك حتى المخلي منها، والأعشاب الطبيعية، والمخبوزات في الزيارات؛ بالرغم من أن التعيين الذي يقدم للنزلاء صار أقل من المعتاد نظرًا للظروف الاقتصادية، فضلاً عن الارتفاع الجنوني للأسعار داخل “كانتين” السجن.
كما رصدت المؤسسة شكاوى بشأن الزيارات، فمنذ إنشاء المجمع اقتصرت الزيارات فيه على زيارة واحدة شهريًا، وهو أمر مخالف لقانون مصلحة السجون، كذلك تم رصد منع المتهمين من التعرض للشمس بأي شكل من الأشكال، إضافة إلى إضاءة الأنوار داخل الغرف طوال الـ24 ساعة، وهو الأمر الذي يمنع النوم بشكل منتظم للمحبوسين، بخلاف وضع كاميرات مراقبة تعمل طوال اليوم داخل الغرف.
ولفتت “كوميتي فور جستس” إلى أنه نتيجة لكل تلك الانتهاكات بحقهم؛ قام المحتجزون في أكتوبر 2022، بإعلان إضرابهم عن الطعام، وقاموا أيضًا برفض استلام الطعام المقدم من إدارة السجن “التعيين الميري”، وذلك لحرمانهم وذويهم من التواصل سواء عن طريق الزيارات أو إرسال أو استلام رسائل خطية للاطمئنان عليهم أو حتى عن طريق الفيديو، وكذلك حرمانهم من التريض بشكل دوري، منع دخول الكتب والمطبوعات.
وأوضحت المؤسسة أنه كنتاج طبيعي لكل تلك الانتهاكات، كانت هناك زيادة مطردة في عدد الوفيات داخل مجمع سجون بدر، حيث رصدت وفاة 5 محتجزين بسبب الإهمال الطبي، وسوء أوضاع الاحتجاز، وهم:
1– السيد محمد عبد الحميد الصيفي (61 عامًا)، الذي توفي في 5 أكتوبر 2022، حيث عانى من تأخر حالته الصحية قبيل وفاته.
2– علاء محمد السلمي (47 عامًا)، وتوفي في 1 نوفمبر 2022؛ نتيجة إضرابه عن الطعام احتجاجًا على الانتهاكات التي يتعرض لها داخل سجن بدر 3.
3– مجدي عبده الشبراوي، الذي توفي في 15 نوفمبر 2022، وذلك بعد تدهور صحته جراء ظروف الاعتقال السيئة، وإصابته بالتهاب مزمن بالكلى في أعقاب القبض عليه.
4– حسن دياب حسن عطية (47 عامًا)، وتوفي في 29 نوفمبر 2022، وذلك داخل سجن بدر 3.
5– جهاد عبد الغني محمد سليم (32 عامًا)، الذي توفي في 21 ديسمبر 2022، حيث كان مصابًا بسرطان الفك والحلق وفي حالة متأخرة منهما، وكان محتجزًا بالمركز الطبي لمنطقة سجون بدر لمدة 4 أيام فقط قبل وفاته.
ورأت “كوميتي فور جستس” أن الطريقة التي تدير بها السلطات المصرية ملف مقار الاحتجاز لديها طريقة أثبتت فشلها؛ فما نفع تغيير المباني والعقول واحدة، وأن المشكلة تتلخص في عدم وجود “إرادة سياسية” لدى مصر لتغيير ثقافة تعاملها مع المحتجزين لديها، والتي تبدأ بحل مشكلة المعتقلين بمصر، والذين يصل أعدادهم لعشرات الآلاف، من خلال الإفراج عنهم، مع ضرورة توفير سبل الرعاية المعيشية المناسبة للمحتجزين أيًا كان انتماؤهم الديني أو اتجاهاتهم السياسية.
كما طالبت المؤسسة السلطات المصرية بالسماح لمنظمات المجتمع المدني – المصري منها والدولي -، بالقيام بزيارات منتظمة لمراقبة الأوضاع داخل مراكز الاحتجاز، مع دعوات لفتح تحقيقات جدية وشفافة لمحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات الفجة بحق المحتجزين بمجمع سجون بدر، وغيرها من مقار الاحتجاز في مصر.