تبعًا لمشروع مراقبة الانتخابات الرئاسية الذي دشنته “لجنة العدالة” خلال المرحلة الأولى من الانتخابات الرئاسية، واستكمالاً لمنهجية رصد وتوثيق الانتهاكات في الساحة الحقوقية والسياسية في إطار السعي لضمان الشفافية والمساءلة وتمكين المواطنين من ممارسة حقوقهم المدنية والسياسية. عمدت “لجنة العدالة” خلال الفترة الماضية من مرحلة القيام بالحملات الانتخابية، على تتبع البيانات والأنباء الصحفية وتوثيق وقائع انتهاكات حقوق الأفراد والأحزاب السياسية المعارضة.
شهدت مرحلة الدعاية الانتخابية في انتخابات الرئاسة 2023، استمرار حملة الرئيس عبد الفتاح السيسي، في استعراض إنجازاته والقيام بالفعاليات الداعمة والمؤتمرات الجماهيرية الحاشدة والمبادرات المختلفة من الأحزاب والجهات الداعمة له، لا سيما فعاليات حزب “مستقبل وطن”، وحزب “حماة وطن”، وحزب “الإصلاح والنهضة”، وحزب “المصريين الأحرار”، وحزب “الحرية”، والنقابات والاتحادات العمالية. وفي مواجهة الانتقادات بتوجيه نفقات الدعاية الانتخابية لمساعدة الأهالي المتضررين من الحرب في غزة، كان جواب مدير حملة “السيسي” أنها لا يمكن للأخيرة منع المواطنين من إبداء تأييدهم للرئيس الحالي (!)، ولا عجب أن تتجاوز نفقات الدعاية الانتخابية لـ”السيسي” الحد الأقصى الموضوع للدعاية الانتخابية من طرف الهيئة الوطنية للانتخابات، حيث اعتمدت الحملة بشكل كبير على “تطوع” المواطنين والجهات الخاصة – العمالية والنقابية والشبابية- بتقديم الدعاية والدعم المجاني.
كذلك، أطلقت حملة مرشح حزب الوفد، عبد السند يمامة، عدد من المؤتمرات الجماهيرية في بورسعيد وأسيوط والإسكندرية والجيزة، خلال شهر نوفمبر، ركزت محاورها على “الفكر الليبرالي المستنير” وجدولة الديون المتراكمة على مصر من خلال التفاوض مع المنظمات الدولية وتقليص الاقتراض لخدمات ومشروعات البنى التحتية واستهدف الاستثمار الأجنبي في مشروعات البنى التحتية. كما ركزت حملة “يمامة” على مراكز التحكيم الخاص بالمستثمرين الأجانب وحوكمة الإنفاق العام وتشجيع القطاع الخاص بإعفاء المشروعات والمصانع الخاسرة من الضرائب سوى القيمة المضافة، وتوطين الصناعات، وفرض ضرائب سكنية على الاستثمارات العقارية المغلقة، واحتواء الاقتصاد غير الرسمي وزيادة الحد الأدنى للأجور وتناسب المعاشات مع التضخم المالي، وتوطين الصناعات، والنهوض بالتعليم، واحتواء الاقتصاد غير الرسمي، وغيرها من محاور المشروع الانتخابي للوفد.
على جهة حملة المرشح حازم عمر، مرشح حزب الشعب الجمهوري، تمثلت فعاليات الحملة في إقامة أربعة مؤتمرات جماهيرية خلال فترة الدعاية الانتخابية، في مناطق شرق الدلتا والإسكندرية والقليوبية وقطاع شمال ووسط وجنوب الصعيد، وركزت البرنامج الانتخابي على الإدارة المحلية وتوطين الصناعات والنهوض بالتعليم والمنظومة الصحية وحل أزمات الإسكان، وغيرها. وأعلنت الحملة تشكيلها 26 غرفة عمليات لمتابعة سير الانتخابات بالداخل وأكثر من 10 آلاف مندوب داخل لجان المحافظات المختلفة، بينما “أشادت” بحياد السفارات المصرية في الخارج أثناء عملية الاقتراع، التي بدأت في الأيام الأولى الثلاث من شهر ديسمبر.
أما حملة المرشح الرئاسي، فريد زهران، فقد صرحت أنها كانت الأفقر ماديًا في الحملات الانتخابية، ومع ذلك قامت بعدد من اللقاءات المغلقة والمفتوحة في أكثر من 15 محافظة لعرض برنامج الحملة، كما ركز برنامجها على تشجيع الاستثمارات الأجنبية، والنهوض بالمنظومة الصحية والتوسع في منظومة التشخيص والعلاج عن بعد ودعم السياحة العلاجية، وزيادة مخصصات التعليم للنسب الدستورية. وأعلنت الحملة تشكيلها غرفة عمليات لمراقبة الانتخابات الرئاسية بالخارج التي تجري في 137 سفارة وقنصلية في 121 دولة حول العالم، والتركيز على الدول ذات الكثافة التصويتية.
وفي المجمل، لم يغب عن ممثلي حملات المرشحين المنافسين الإشادة بدور القنوات والمواقع والصحف المصرية في إظهار حملات ومؤتمرات وفعاليات مرشحي المعارضة والمساواة في عرض أخبار الحملات الانتخابية في البرامج الإخبارية لحث المواطنين على المشاركة بالانتخابات. ولا عجب أن “مكاسب” الحملات المنافسة للرئيس الحالي لن تتجاوز اكتساب “الخبرة” في خوض الانتخابات الرئاسية، وفي التنظيم ومحاولة التواصل مع القواعد المحلية، وربما التفاوض وحشد المصالح بين الأحزاب القائمة، غير أنه لا يتوقع أن تسفر عن تغيير حقيقي في السياسات القائمة نظرًا لغياب أي احتمال لتغيير النظام الحالي من خلال الانتخابات. وأوضحت فترة الحملات والدعاية الانتخابية واحدًا من أبرز أوجه التقاطع بين كافة المرشحين. ففيما تأتي تصريحات مدير حملة “السيسي” عن تركيز النظام السياسي عقب الانتخابات على الحياد التنافسي، والعزم على إقرار قوانين لإلغاء الإعفاءات الضريبية لأجهزة الدولة، وتوقف الدولة عن ملأ “فراغ” القطاع الخاص وإتاحة الفرصة للمستثمرين؛ فإن جميع الحملات المنافسة تتقاطع في ضرورة وقف استثمارات البنى التحتية – التي لا تزال حملة “السيسي” تبررها– رغم تأكيدها على ضرورة انسحاب السلطة من القطاع الإنتاجي. وفي النظم الديمقراطية عمومًا، يفترض أن تسفر العمليات الانتخابية عن تشكيل حكومات تجمع مصالح ورموز أبرز المنتصرين من صناديق الاقتراع، فهل يتاح أو يتصور أن يخرج المنافسون على المنصب الرئاسي بأصوات تؤهلهم لطرح هذا النموذج – المعتاد عالميًا-؟! وهل تتحقق بعض من أوجه “مشاركة” السلطة من خلال نتائج الانتخابات؟! أم يستمر النظام المصري في الزج بملايين الدولارات في استثمارات البنى التحتية فيما تتعرض الحدود للقصف وتتهاوى دخول الغالبية الساحقة من المواطنين أمام أزمات الغلاء والتضخم وفقدان القدرة على توفير السلع الغذائية فضلًا عن الوصول إليها من خلال السوق.