أصدرت منظمات تحالف “المادة 55″، نشرتها الدورية الشهرية التي سلطت الضوء فيها على أبرز المستجدات الحقوقية، والقانونية، والقضائية في مصر خلال شهر أغسطس 2025، إلى جانب رصدٍ دقيق للانتهاكات التي تمت داخل السجون ومقار الاحتجاز التابعة لسلطات الأمن المصرية.
– الواقع الحقوقي والاقتصادي والسياسي في يونيو:
في أغسطس 2025، شهدت مصر موجة من التطورات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والحقوقية التي عكست عمق الأزمة الداخلية وتعقّد المشهد الإقليمي المحيط بها. فقد استمر الحصار على غزة ومنع دخول المساعدات المتكدسة في سيناء، رغم المحاولات المتكررة لإدخالها، ما عمّق حالة الغضب الشعبي والتوتر السياسي، خاصة بعد إعلان السلطات قبول صفقة تفاوض ثم التراجع عنها مع التلويح باجتياح غزة. في الداخل، جرت انتخابات مجلس الشيوخ وسط عزوف جماهيري غير مسبوق، حيث لم تتجاوز نسبة المشاركة الرسمية 17%، بينما أشارت التقديرات غير الرسمية إلى نسب أقل بكثير، ما أظهر تراجع ثقة المواطنين في العملية الانتخابية.
على الصعيد الاقتصادي، تصاعدت الانتقادات للحكومة بعد تقارير صحفية أشارت إلى وصول نسبة الفقر إلى نحو 80% من المصريين، مع غياب حلول جادة أو إصلاحات اقتصادية ملموسة. وفي الوقت ذاته، أثارت تصريحات وزير الري عن دخول مصر مرحلة “شح مائي قاسٍ” قلقاً واسعاً، كما أدى بدء العمل بقانون الإيجارات الجديد إلى حالة من الخوف لدى قطاعات واسعة من كبار السن وأصحاب المعاشات المهددين بفقدان مساكنهم.
وعلى الصعيد الحقوقي لم يكن أقل حدة، إذ واصلت السلطات المصرية نهجها الأمني في التعامل مع الصحافة والنشطاء. فقد استُدعيت لينا عطا الله، رئيسة تحرير “مدى مصر”، للتحقيق على خلفية تقرير عن انتهاكات في سجن بدر 3، قبل الإفراج عنها بكفالة مالية. كما تواصلت حملة الاعتقالات ضد صانعي المحتوى على منصات التواصل الاجتماعي تحت مبررات حماية القيم المجتمعية، مع تحذيرات من عقوبات قد تصل إلى السجن المؤبد. في السياق ذاته، أفرجت النيابة عن الناشطة ماهينور المصري بكفالة بعد اتهامها ببث أخبار كاذبة، كما أُخلي سبيل عدد من الحقوقيين البارزين بعد تحقيقات مطولة معهم. ورغم ذلك، بقي آلاف النشطاء والمعارضين رهن الحبس الاحتياطي لفترات تجاوزت المدد القانونية، فيما استمرت المحاكمات الجماعية في محكمة جنايات بدر.
أوضاع السجون مثّلت بدورها ملفاً شديد الخطورة، إذ تزايدت حالات الوفاة بين السجناء نتيجة الإهمال الطبي أو شبهة التعذيب، مع استمرار الإضرابات ومحاولات الانتحار داخل سجن بدر 3، وسط تعتيم رسمي. هذا الوضع أثار انتقادات أممية، حيث دعا مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، فولكر ترك، السلطات المصرية إلى إنهاء ممارسة “التدوير”، أي إعادة اتهام السجناء بقضايا جديدة عند انتهاء فترات احتجازهم لمنع الإفراج عنهم، مؤكداً أن هذه السياسة تستهدف النشطاء والصحفيين والمحامين بشكل خاص.
إلى جانب ذلك، شهد الشهر تصاعداً في الاحتجاجات المهنية والعمالية، تعبيراً عن تزايد الاستياء من السياسات الاقتصادية والاجتماعية. فقد نظمت موظفات الهيئة العامة لمحو الأمية وقفات احتجاجية للمطالبة بالتثبيت، في حين استغاث موظفو معهد الهندسة وتكنولوجيا الطيران بعد فصل العشرات منهم، كما اعتصم عمال مجموعة فرج الله بالإسكندرية احتجاجاً على تأخر الرواتب وعدم تطبيق الحد الأدنى للأجور.
بذلك، رسمت أحداث أغسطس 2025 صورة شاملة لأزمة متعددة الأبعاد: أزمة سياسية تتمثل في ضعف المشاركة الشعبية وانسداد الأفق الديمقراطي، أزمة اقتصادية ومعيشية عميقة تتجسد في اتساع رقعة الفقر وغياب الإصلاحات، أزمة اجتماعية متمثلة في تهديد الأمن المائي والسكني للمواطنين، وأزمة حقوقية تؤكدها الاعتقالات والانتهاكات المستمرة داخل السجون، في ظل انتقادات دولية متصاعدة.
– انتهاكات داخل مقار الاحتجاز:
خلال شهر أغسطس 2025، وثّق تحالف المادة 55 أوضاعاً مأساوية داخل السجون ومقار الاحتجاز في مصر، حيث رُصدت ستة عشر حالة وفاة لمعتقلين ومحتجزين. تنوعت أسباب الوفاة بين التعذيب المباشر، الإهمال الطبي، وسوء ظروف الاحتجاز، وشملت الضحايا أساتذة جامعيين وأطباء، إلى جانب شباب ومواطنين عاديين وحتى أجانب، من بينهم المواطن السوداني مجاهد عادل.
أبرز الحالات كانت وفاة الدكتور ناجي البرنس، أستاذ طب الأسنان بجامعة الإسكندرية، بعد سنوات من الحبس الاحتياطي، ووفاة الدكتور عاطف زغلول نتيجة أزمة قلبية لم يتلقَّ لها العلاج، وكذلك وفاة الشاب سيف إمام بعد تعرضه لتعذيب في قسم عين شمس، كما تكررت الوفيات في أقسام الشرطة مثل العمرانية، الهرم، نجع حمادي، وشبرا الخيمة، وفي سجون مثل بدر 3، ليمان المنيا، والعاشر من رمضان.
إلى جانب ذلك، استمر التعتيم على أوضاع سجن بدر 3، وسط تقارير عن محاولات انتحار وإضرابات عن الطعام، ومنع المعتقلين من حضور جلساتهم. كما رُصدت انتهاكات أخرى أبرزها إصابة الناشطة مروة عرفة بجلطة بسبب الإهمال الطبي، إضرابات في سجن أبو زعبل 2، وحملات عقاب جماعي في سجن “تأهيل 6” بالعاشر من رمضان. كذلك شهد سجن المنيا شديد الحراسة منع دخول الأدوية لمرضى الأمراض المزمنة، مع شكاوى متكررة من تحرش وتفتيش مهين للزائرات.
بذلك، يعكس تقرير أغسطس 2025 صورة قاتمة عن واقع السجون في مصر، حيث اجتمع ارتفاع عدد الوفيات مع الإهمال الطبي الممنهج والتعذيب والتعتيم، بما يشكل تهديداً مباشراً لحقوق السجناء في الحياة والكرامة الإنسانية.
تحالف المادة 55 يؤكد أن الانتهاكات داخل السجون وأماكن الاحتجاز في مصر لم تعد وقائع فردية، بل تعكس سياسة ممنهجة في التعامل مع المحتجزين، خاصة السياسيين منهم. ويرى أن غياب المحاسبة واستمرار الإفلات من العقاب رسّخ هذه الممارسات وجعلها جزءاً من منظومة عمل السجون. ويحذر التحالف من تزايد أعداد الوفيات وتدهور الأوضاع المعيشية والصحية للمحتجزين، ما يفاقم المخاوف على مصيرهم. وفي هذا السياق، يطالب التحالف بفتح تحقيق عاجل وشامل، ومحاسبة المسؤولين عن هذه الانتهاكات وفق القانون المصري والدولي، والالتزام بالمعايير الدولية وقواعد معاملة السجناء، بما يضمن صون كرامتهم وتوفير ظروف احتجاز إنسانية.