Widget 1

Optional widget here

مصر: “لجنة العدالة” تحذر في تقرير للجنة الأممية المعنية بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة من تدهور أوضاع ذوي الإعاقة داخل مقار الاحتجاز والسجون

قالت “لجنة العدالة” إن اهتمام الآليات الأممية والمجتمع الدولي بحقوق ذوي الإعاقة تمت ترجمته واقعًا من خلال معاهدات ومواثيق تهدف إلى حمايتهم وضمان تمتعهم بحقوقهم الأساسية دون تمييز، وعلى رأس تلك الاتفاقيات؛ اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة التي أقرتها الأمم المتحدة، ولكن رغم كل هذه الجهود، ما يزال الوضع في الدول القمعية مثل مصر قاتمًا بالنسبة لذوي الإعاقة، حيث يعانون من انتهاكات ممنهجة وجسيمة في أماكن الاحتجاز، تشمل؛ الإهمال الطبي، والحرمان من الخدمات الأساسية؛ بل وتمتد إلى ممارسات التعذيب والإخفاء القسري، وهو ما يعكس الفجوة الواسعة بين الالتزامات الدولية التي تعهدت بها السلطات المصرية والواقع القاسي الذي يعيشه المحتجزون من ذوي الإعاقة.

وفي إطار سعي “لجنة العدالة” للاهتمام بذوي الإعاقة وضمان تمتعهم بحقوقهم الإنسانية والأساسية، قامت “لجنة العدالة” بتقديم تقرير مفصل إلى اللجنة المعنية بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة في الأمم المتحدة، وذلك ضمن الدورة العشرين للفريق العامل لما قبل الدورة (مارس 2025)، حيث سلط التقرير الضوء على الانتهاكات التي يتعرض لها ذوو الإعاقة في أماكن الاحتجاز بمصر، وكشف بالأدلة الموثقة التناقض الصارخ بين ادعاءات السلطات المصرية بشأن تحسين أوضاعهم، والواقع الذي يشير إلى افتقار أماكن الاحتجاز إلى أبسط معايير البنية التحتية الملائمة، وانتشار الإهمال الطبي، والتعرض للتمييز وسوء المعاملة.

ومن أبرز القضايا التي استعرضها التقرير، حالة المحتجز على ذمة قضية سياسية “عقبة علاء لبيب حشاد”، وهو شاب فقد ساقه اليمنى منذ صغره ويعتمد على طرف صناعي في التنقل، حيث تعرض “حشاد” للاعتقال في مايو 2019، وتم إخفاءه قسريًا لمدة 75 يومًا. وخلال هذه الفترة، تعرض للتعذيب الجسدي والنفسي، بما في ذلك الصعق بالكهرباء والضرب المبرح، كإجراء انتقامي على أنشطة شقيقه الحقوقية، كما تم حرمانه لفترات طويلة من طرفه الصناعي، ما أدى إلى تدهور وضعه الصحي والنفسي، وبالطبع هذه الممارسات لا تمثل فقط انتهاكًا صارخًا لاتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة؛ بل تُظهر فشل السلطات المصرية في الالتزام بأبسط المعايير الإنسانية والقانونية المتعلقة بحماية ذوي الإعاقة في أماكن الاحتجاز.

أيضًا تطرق التقرير إلى زيف الادعاءات الرسمية المصرية حول توفير أماكن احتجاز تتناسب مع احتياجات الأشخاص ذوي الإعاقة، حيث أظهرت الأدلة الموثقة أن معظم السجون المصرية تفتقر إلى أي تعديلات في البنية التحتية تسمح بتنقلهم بحرية، مثل؛ المنحدرات والمراحيض المخصصة، فضلاً عن عدم توفير الأجهزة المساعدة التي يحتاجها بعض المحتجزين، مؤكدًا على أن الواقع يعكس سياسة تمييزية واضحة ضد ذوي الإعاقة، حيث يتم احتجازهم في ظروف غير آدمية تزيد من معاناتهم اليومية، وتضعهم في وضع أكثر ضعفًا مقارنةً بالمحتجزين الآخرين.

وحول الرعاية الصحية لذوي الإعاقة، كشف التقرير أن السلطات المصرية تتعمد حرمان المحتجزين ذوي الإعاقة من الرعاية الطبية الأساسية، بما في ذلك العلاج الطبيعي، والأجهزة التعويضية، والأدوية الضرورية. كما رصد التقرير حالات تم فيها منع المحتجزين من الوصول إلى المستشفيات أو الأطباء المختصين، رغم تعرضهم لحالات طبية حرجة، وبالتأكيد هذه الانتهاكات تتعارض مع التزامات مصر بموجب المادة 25 من اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، والتي تلزم الدول بتوفير رعاية صحية مناسبة وبدون تمييز لهذه الفئة.

كما تضمن التقرير تحليلاً لمزاعم السلطات المصرية حول اتخاذ إجراءات لضمان عدم التمييز ضد المحتجزين ذوي الإعاقة، مثل؛ إنشاء أجنحة مخصصة لهم في بعض السجون؛ إلا أن التحقيقات الميدانية أثبتت أن هذه الإجراءات شكلية ومحدودة، وأن الأوضاع في السجون المصرية لا تزال تشكل تهديدًا خطيرًا على حياة المحتجزين من هذه الفئة، حيث لا يزال التعذيب والمعاملة القاسية سلوكًا منهجيًا تتبعه السلطات.

ولكل ما سبق ووثقته “لجنة العدالة” في تقريرها من انتهاكات جسيمة بحق الأشخاص ذوي الإعاقة في أماكن الاحتجاز بمصر، فإنها قامت بتقديم مجموعة من التوصيات العاجلة إلى اللجنة المعنية بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة في الأمم المتحدة، بهدف دفع السلطات المصرية نحو التزامات أكثر جدية تجاه هذه الفئة، وضمان تحسين أوضاعهم بما يتماشى مع اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، وتشمل التوصيات ما يلي:

1- ضمان توفير بيئة احتجاز ملائمة للأشخاص ذوي الإعاقة: حيث أوصت اللجنة بإدخال تعديلات على البنية التحتية لمرافق الاحتجاز لكي تكون مهيأة لاستيعاب الأشخاص ذوي الإعاقة، من خلال توفير منحدرات داخل الزنازين والمرافق العامة داخل السجون، وإنشاء مراحيض مخصصة ومجهزة لهم، وتزويد الزنازين والمباني بمقابض دعم وأماكن مخصصة لهم، وأيضًا توفير الأجهزة التعويضية والمساعدة مع تخصيص فرق طبية لضمان صيانة واستبدال هذه الأجهزة عند الحاجة، وتخصيص زنازين مناسبة للأشخاص ذوي الإعاقة مع فصلهم عن المحتجزين الذين قد يشكلون تهديدًا لهم.

2- ضمان الرعاية الطبية والعلاجية الملائمة: فدعت اللجنة لضمان وصول المحتجزين ذوي الإعاقة إلى الرعاية الصحية المناسبة من خلال إنشاء وحدات طبية داخل مراكز الاحتجاز تكون مجهزة لخدمتهم، مع ضرورة توفير كوادر طبية متخصصة، وكذلك تأمين إمداد منتظم بالأدوية والعلاجات الضرورية للأشخاص ذوي الإعاقة، وإنهاء سياسة الإهمال الطبي الممنهج واتخاذ إجراءات فورية لضمان حقهم في تلقي الرعاية الطبية بشكل منتظم وتسهيل نقلهم إلى المستشفيات الخارجية عند الحاجة.

3- إنهاء سوء المعاملة والتعذيب وضمان الحماية القانونية: وحثت اللجنة السلطات المصرية على وقف جميع أشكال التعذيب والمعاملة القاسية أو اللاإنسانية بحق الأشخاص ذوي الإعاقة في أماكن الاحتجاز مع ضمان التحقيق الفوري والمستقل في حالات التعذيب وسوء المعاملة التي يتعرضون لها من خلال إنشاء آلية مستقلة لتلقي الشكاوى المقدمة من المحتجزين ذوي الإعاقة أو عائلاتهم بشأن الانتهاكات التي يتعرضون لها، ومحاسبة الأفراد المسؤولين عن التعذيب وضمان عدم إفلاتهم من العقاب، وضرورة إنهاء ممارسات الإخفاء القسري بحق الأشخاص ذوي الإعاقة.

4- تعزيز الرقابة المستقلة والالتزام بالمواثيق الدولية: ودعت اللجنة بالسماح للمنظمات الحقوقية الدولية والمراقبين المستقلين بالدخول إلى السجون وإجراء زيارات دورية لتقييم أوضاع المحتجزين ذوي الإعاقة، مع ضرورة تطبيق توصيات الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بشأنهم، وضمان حصول المحتجزين ذوي الإعاقة على الدعم القانوني الكافي.

5- الإفراج الفوري عن المحتجزين ذوي الإعاقة الذين لا يشكلون تهديدًا: مع ضرورة إعادة النظر في أحكام السجن الصادرة بحق الأشخاص ذوي الإعاقة، وتوفير بدائل احتجاز أكثر إنسانية تتماشى مع طبيعة وضعهم الصحي واحتياجاتهم الخاصة، وتقديم تعويضات عادلة لأولئك الذين تعرضوا للتعذيب أو سوء المعاملة داخل أماكن الاحتجاز، وضمان إعادة تأهيلهم جسديًا ونفسيًا بعد الإفراج عنهم.

كما وجهت “لجنة العدالة” في ختام تقريرها تحذير من أن استمرار السلطات المصرية في انتهاك حقوق المحتجزين ذوي الإعاقة يشكل خرقًا واضحًا لالتزاماتها الدولية، ويدعو إلى تحرك عاجل من الأمم المتحدة والمجتمع الدولي للضغط عليها لتطبيق هذه التوصيات، وإنهاء سياسة الإفلات من العقاب تجاه منتهكي حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة في أماكن الاحتجاز.