(بيروت، 20 نوفمبر/تشرين الثاني 2025) – قالت 22 منظمة حقوقية اليوم إن على “اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب” (اللجنة الأفريقية) اتخاذ إجراءات حاسمة لمواجهة أزمة حقوق الإنسان المتردية والممتدة في مصر بعد مراجعتها للملف الحقوقي المصري. خلصت اللجنة إلى انتهاك مصر للعديد من مواد “الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب”، لكنها لم تعتمد قرارا بشأن مصر منذ 2015 رغم التدهور الخطير لحالة حقوق الإنسان والقضاء شبه الكامل على الفضاء المدني.
استعرضت اللجنة الأفريقية وضع مصر خلال دورتها الـ 85 في أكتوبر/تشرين الأول 2025، وقدمت الحكومة المصرية تقريرا حول حالة حقوق الإنسان في الفترة من 2019 إلى 2024. تضمن التقرير وصفا مغلوطا لحالة حقوق الإنسان وإنكارا شاملا للانتهاكات. بدورها، كانت مقررة اللجنة الأفريقية القُطرية المعنية بمصر قد قدمت تقريرا تجاهل الانتهاكات واسعة النطاق، وتبنى إلى حد كبير السرديات الحكومية.
قال محمد لطفي، المدير التنفيذي لـ “المفوضية المصرية للحقوق والحريات”: “قدمت الحكومة المصرية صورة مغلوطة لأزمة حقوق الإنسان المتفاقمة في مصر، وتبنت مقررة اللجنة الأفريقية بعضا من ادعاءاتها دون تدقيق، على نحو خطير. هذه المغالطات تجعل من الضروري أن تتصدى اللجنة بقوة لأزمة حقوق الإنسان في مصر، إذ إنها الأسوأ منذ عقود”.
قالت المنظمات إن الانتهاكات الصارخة والمنهجية لحقوق الإنسان في مصر قد تم توثيقها جيدا في تقارير عدة صادرة عن منظمات حقوقية مصرية ودولية مستقلة، وعن آليات حقوق الإنسان بـ”الأمم المتحدة” و”الاتحاد الأفريقي“، وحتى “المجلس القومي لحقوق الإنسان” المعيّن من الحكومة المصرية.
زعمت الحكومة المصرية في تقريرها عدم وجود صحفيين محتجزين أو سجناء رأي في مصر وأن القيود المفروضة على المنظمات المستقلة، مثل منعها من إجراء الدراسات ونشرها دون إذن، هي مجرد إجراءات لضمان “الشفافية والموضوعية“.
في أثناء الجلسات العامة، نادرا ما أثارت المقررة الأفريقية المعنية بمصر أزمة حقوق الإنسان المتفاقمة والانتهاكات المزعومة الواسعة. زعمت أن الانتخابات الرئاسية لعام 2023 جرت في بيئة “سلمية” و”تنافسية”، وهو ما يتناقض مع الأدلة الموثقة للقمع، والملاحقات القضائية التي استهدفت المرشحين المحتملين وأفراد عائلاتهم، وتجريم الحكومة المصرية الفعلي للتجمع والتعبير وتكوين الجمعيات.
المقررة الأفريقية دعت الحكومة المصرية إلى استضافة جلسة “المفوضية الأفريقية” المقبلة في مصر، دون أن تبدي أي قلق أو تحفظ إزاء المراقبة المتغلغلة، وانتهاكات أفراد الأمن، والقمع بحق المتظاهرين في البلاد. لطالما كان القمع واضحا، في فترات شملت انعقاد جلسة اللجنة الأفريقية لعام 2019 في شرم الشيخ، وقبل “مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ”(كوب27) في مصر عام 2022 وأثناءه.
في ديسمبر/كانون الأول 2024، أجرت المقررة الأفريقية زيارة رسمية غير مُعلنة لمصر، وصفتها بأنها “زيارة معلومات تعريفية ودعوية”. مع ذلك، يبدو أنها لم تجتمع مع أي منظمات حقوق إنسان غير حكومية قبل الزيارة أو خلالها أو بعدها. في مايو/أيار 2025، أصدرت المقررة تقريرا عن الزيارة، لم يعد متاحا على موقع اللجنة، تكرر فيه الروايات الحكومية دون تعديل، منها أن “لكل شخص متهم في قضية جزائية الحق في كافة الحقوق المنصوص عليها في العهود الدولية، لا سيما الحق في الدفاع”. أثارت العديد من منظمات حقوق الإنسان الدولية والمصرية قلقها بشأن زيارة المقررة وتقريرها بشكل علني وفي خطابات إلى اللجنة الأفريقية.
خلال الفترة التي شملتها مراجعة اللجنة للوضع الحقوقي، تبنت الحكومة المصرية سياسة عدم التسامح المطلق إزاء أي شكل من أشكال المعارضة، وقضت تقريبا على المجال العام، كما جرَّمت فعليا حرية التعبير، والتجمع، وتكوين الجمعيات. عشرات آلاف النشطاء، والصحفيين، والمدافعين عن حقوق الإنسان، وناشطات حقوق المرأة، والمتظاهرين السلميين، والنقابيين العماليين، والأكاديميين، تعرضوا للاحتجاز أو المحاكمة لمجرد ممارستهم حقوقهم. ضايقت الحكومة واحتجزت ولاحقت أفراد عائلات المعارضين، بما يشمل المعارضين المقيمين خارج البلاد.
التعديلات الدستورية التعسفية والخطيرة، التي طُرحت في 2019، قوّضت بشدة استقلال القضاء وسيادة القانون، وأقحمت الجيش في الحياة العامة والسياسية بشكل غير مسبوق. وزادت القوانين الجديدة من تقويض الحقوق الأساسية، مثل قانون الجمعيات لعام 2019 وقانون اللجوء لعام 2024. ولم تُعدّل الحكومة المصرية القوانين التعسفية القائمة، مثل قانون تقييد التجمعات السلمية لعام 2013، وقانون الجرائم الإلكترونية لعام 2018، وقانون تنظيم الإعلام لعام 2018، وقانون مكافحة الإرهاب لعام 2015.
لم تفِ الحكومة أيضا بالحقوق الاجتماعية والاقتصادية. إذ خُفِّض فعليا الإنفاق على التعليم إلى أدنى مستوى له منذ سنوات عديدة. وتعتبر مخصصات الرعاية الصحية في الميزانية الحكومية أقل بكثير من الحد الأدنى الدستوري والمعايير الدولية. تغطي برامج المساعدة النقدية أقل من ثلث أولئك الذين يعيشون تحت خط الفقر أو بالقرب منه، حتى وفقا للأرقام الرسمية.
استدعت أزمة حقوق الإنسان المتفشية في مصر أربعة قرارات من اللجنة الأفريقية منذ 2013، نددت فيها بانتهاكات مثل “القيود القاسية على الصحفيين والإعلاميين واعتقالهم واحتجازهم وقتلهم تعسفيا بسبب عملهم”، فضلا عن “تجاهل المعايير الإقليمية والدولية للمحاكمة العادلة، والفرض غير القانوني لأحكام الإعدام الجماعية”. تقاعست الحكومة المصرية عن تنفيذ الغالبية العظمى من التوصيات الواردة في هذه القرارات. التقت العديد من المنظمات الدولية والمصرية بأعضاء اللجنة الأفريقية خلال دورتها الـ 85 لإثارة هذه الشواغل الحقوقية، وقد تطرق العديد من المفوضين إلى عدد من هذه المخاوف في مداخلاتهم العلنية.
إضافة إلى ذلك، لم تُنفذ مصر عدة قرارات نهائية وجدت فيها اللجنة الأفريقية أنها أخلت بالتزاماتها بموجب الميثاق الأفريقي، بما يشمل ثلاث قرارات اعتُمدت خلال الفترة التي شملها الاستعراض منذ 2019.
قالت المنظمات الموقعة إنه ينبغي للجنة الأفريقية اتخاذ إجراءات قوية وحاسمة لتسليط الضوء على أزمة حقوق الإنسان المستمرة في مصر وحماية حقوق المصريين. عليها أن تضمن أن يشمل الاستعراض الحالي والملاحظات الختامية تقييما مدعوما بالأدلة حول أزمة حقوق الإنسان في مصر، وإصدار بيانات عامة، ونداءات عاجلة، ورسائل إلى الحكومة تثير الانتهاكات المنهجية وضرورة إلغاء القوانين التعسفية وتعديلها.
وفي ضوء تقاعس الحكومة عن تنفيذ القرارات السابقة للجنة بشأن مصر، ينبغي أن تُصدر اللجنة قرارا جديدا يدعو إلى التحقيق في الانتهاكات والمساءلة وجبر الضرر للضحايا. يتعين على اللجنة الأفريقية تشكيل آلية متابعة، بموجب المادة 112، لرصد تنفيذ مصر التوصيات والتعامل مع الضحايا والمجتمع المدني من أجل إجراءات إصلاحية ملموسة. يتعين على اللجنة، من خلال فريق عملها المعني بالبلاغات، أن تتعامل على وجه السرعة مع تقاعس الحكومة المصرية عن تنفيذ سبل الانتصاف المأمور بها في القرارات النهائية بشأن القضايا الفردية، وإحالة الأمر إلى “المجلس التنفيذي للاتحاد الأفريقي”. يتعين عليها استخدام ولايتها للإنذار المبكر، بموجب المادة 58 من الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب، للفت انتباه “مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي” إلى وضع حقوق الإنسان المتدهور في مصر، خاصة خطر الانتهاكات الجماعية المرتبطة بالإفلات من العقاب في أماكن الاحتجاز وعمليات مكافحة الإرهاب.
يتعين على اللجنة الأفريقية الالتزام علنا برصد أي تهديدات أو قيود من هذا القبيل والتحدث عنها. عليها أن تحرص على أن تتضمن أي زيارة قُطرية مشاورات كافية مع ضحايا الانتهاكات ومنظمات حقوق الإنسان المصرية والدولية، فضلا عن ضمانات حكومية موثوقة لخصوصية وسلامة جميع المشاركين.
وفي حالة وجود مسعى لاستضافة اجتماع في مصر، ينبغي أن تطلب الجنة الأفريقية من الحكومة المصرية تقديم ضمانات حقيقية بأنها ستلتزم بحماية سلامة وحريات جميع المشاركين والإعلام. ينبغي السماح للمشاركين بدخول البلاد بحرية، ويتعين على الحكومة ألا تفرض عواقب سلبية أو ممارسات انتقامية بحق المشاركين في الاجتماع. ينبغي السماح للمنظمات المصرية المعارضة بالوصول للاجتماع دون ترهيب أو انتقام.
قال عمرو مجدي، باحث أول في قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: “تمتلك اللجنة الأفريقية العديد من الأدوات التي يمكن توظيفها لتسليط الضوء على أزمة حقوق الإنسان المتفشية في مصر والانتهاكات الصارخة المستمرة ومعالجتها. وعلى أقل تقدير، ينبغي للجنة ضمان التدقيق في السردية الحكومية بالشكل الصحيح”.
المنظمات الموقّعة:
- Cairo Institute for Human Rights Studies
- Committee for Justice
- Democracy for the Arab World Now (DAWN)
- Egyptian Commission for Rights and Freedoms
- Egyptian Front for Human Rights
- Egyptian Human Rights Forum (EHRF)
- Egyptian Initiative for Personal Rights (EIPR)
- EgyptWide for Human Rights
- El Nadim Center
- Euromed Rights Network
- Hraak for Change and Youth Empowerment
- Human Rights Watch
- HuMENA for Human Rights and Civic Engagement
- International Federation for Human Rights (FIDH), in the framework of the Observatory for the Protection of Human Rights Defenders
- International-Lawyers.Org
- Law and Democracy Support Foundation e.V. (LDSF)
- Ligue tunisienne des droits de l’homme
- REDRESS
- Refugees Platform in Egypt – RPE
- Sinai Foundation for Human Rights
- Their Right – To Defend Prisoners of Conscience
- World Organisation Against Torture (OMCT), in the framework of the Observatory for the Protection of Human Rights Defenders