Widget 1

Optional widget here

تونس: “لجنة العدالة” ترفض أحكام قضية “التآمر” وتطالب بإعادة المحاكمة أمام جهات قضائية محايدة وشفافة

قالت “لجنة العدالة” إن أسوأ ما يمكن أن يحدث للعدالة هو أن تصبح رهينة بيد الأنظمة القمعية، التي تستغل بعض الأنظمة القضائية لتصفية الخصومات السياسية والتنكيل بالمعارضين والمدافعين عن حقوق الإنسان؛ لأن هذا الاستغلال الممنهج للقوانين والمؤسسات القضائية يُفقِد العدالة مصداقيتها ويهدم الثقة العامة في سيادة القانون. لذا فإن استمرار هذه الممارسات ليس فقط اعتداءً على الضحايا وذويهم؛ بل هو أيضًا تقويض لنظام العدالة نفسه وإخلال بالتزامات الدول بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان.

يأتي ذلك في إطار متابعة اللجنة لأحكام قضية “التآمر على أمن الدولة” الشهيرة، الصادرة يوم السبت الموافق 19 أبريل/ نيسان 2025، والتي أثارت جدلاً واسعًا داخل تونس وخارجها، بسبب ما شهدته من أحكام صادمة بحق معارضين سياسيين ورجال أعمال ومحامين، حيث حُكم على عدد من المتهمين بالسجن لمدد طويلة تصل إلى 66 عامًا! وهو ما يعكس استخدام النظام القضائي كأداة لقمع المعارضة السياسية، في وقت تتصاعد فيه الانتقادات الدولية لتزايد القيود على الحريات العامة في تونس وتراجع استقلالية القضاء.

كذلك تظهر الأحكام الصادرة في قضية “التآمر على أمن الدولة” مدى تعسف النظام التونسي الحالي في التعامل مع خصومه السياسيين، حيث تم تقديم المتهمين بتهم ملفقة تتضمن “المساس بأمن الدولة الداخلي والخارجي”، وهي تهم غالبًا ما تُستخدم كذريعة لقمع أي صوت معارض، كما أن هذه المحاكمة افتقرت إلى الشفافية والحيادية وعدم الالتزام بالإجراءات القانونية السليمة، حيث لم تُمنح فرصة حقيقية للمتهمين للدفاع عن أنفسهم، ما يجعلها مثالاً واضحًا على المحاكمات الصورية التي تخالف المعايير الدولية للمحاكمة العادلة، فالمحاكمة لم تستند إلى أدلة ملموسة؛ بل اعتمدت على اعترافات منتزعة تحت الضغط.

وهو ما أشارت إليه هيئة الدفاع عن المتهمين في القضية، حيث نبهت – في أكثر من مناسبة- على وجود خروقات إجرائية جسيمة شابت مسار المحاكمة، ما يُثير تساؤلات حول نزاهتها وشفافيتها. ومن أبرز هذه الخروقات؛ عدم تمكين المتهمين من الحضور الفعلي أمام المحكمة، حيث اعتمدت الإجراءات على نظام المحاكمة عن بُعد رغم خطورة التهم الموجهة إليهم، وهو ما يُعتبر مخالفة واضحة للمعايير الدولية للمحاكمة العادلة التي تشدد على أهمية حضور المتهمين بشكل مباشر أثناء محاكمتهم.

إضافة إلى ذلك؛ تعرض المتهمون لحرمان صارخ من التواصل الفوري والمباشر مع محاميهم في مراحل أساسية من التقاضي، ما أثر سلبًا على قدرتهم في تقديم دفاع فعّال، وهذا الحرمان لم يكن فقط عائقًا قانونيًا؛ بل أثّر أيضًا على حقوقهم الإنسانية الأساسية، إذ لم يتمكنوا من مناقشة تفاصيل القضية أو الاستعداد بشكل كافٍ للدفاع عن أنفسهم أمام القضاء.

وفي سياق متصل؛ أشارت هيئة الدفاع إلى وجود ضغوطات سياسية مُسبقة أثرت على نزاهة المحاكمة؛ فقد جاءت تصريحات رئيس الجمهورية في عام 2023، لتُدين المتهمين قبل الفصل في القضية، حيث وصفهم بأنهم “خونة وإرهابيون”، واعتبر أن القضاة الذين قد يُبرّئونهم “شركاء في الجريمة”! وهذه التصريحات لا تُمثل فقط مساسًا صارخًا بمبدأ قرينة البراءة؛ بل تُهدد أيضًا استقلال السلطة القضائية، وتُضعف الثقة العامة في النظام القضائي ككل.

علاوة على ذلك؛ أبدت هيئة الدفاع قلقها البالغ بشأن الغموض الكبير الذي رافق تقديم الوقائع والأدلة ضد المتهمين، حيث يبدو أن الأدلة المقدمة كانت غامضة وغير مدعومة بمستندات أو وقائع ملموسة، كما تم توظيف قوانين استثنائية مثل قانون مكافحة الإرهاب في ملفات ذات طابع سياسي واضح، وهو ما يُظهر استغلالًا لهذه القوانين لتبرير قمع المعارضة السياسية وإسكات الأصوات المنتقدة للسلطة.

كل هذه الممارسات مجتمعةً أدت إلى تآكل الثقة في منظومة العدالة التونسية، وأثارت مخاوف جدية بشأن مستقبل أسس الدولة الديمقراطية. فعندما تُستخدم المحاكم كأدوات سياسية لتصفية الحسابات، فإن ذلك يُهدد ليس فقط حقوق المتهمين؛ بل أيضًا استقرار المجتمع واستقلالية مؤسساته، مؤكدة أن استمرار هذه السياسات دون مساءلة أو تصحيح سيؤدي إلى تعميق الأزمة السياسية والاجتماعية في البلاد، وسيجعل من الصعب استعادة ثقة الشعب التونسي في مؤسسات دولته.

وتأتي هذه التطورات في وقت تواجه فيه تونس تحديات سياسية واقتصادية غير مسبوقة، حيث يبدو أن السلطات تسعى إلى تعزيز قبضتها الأمنية من خلال قمع المعارضة، فهذه الأحكام ليست سوى حلقة جديدة في سلسلة طويلة من الانتهاكات التي تستهدف المدافعين عن الديمقراطية وحقوق الإنسان في البلاد، كما أن هذه السياسات قد تؤدي إلى تفاقم الأزمات الاجتماعية والسياسية، ما يضع تونس أمام خطر فقدان ثقة الشعب والمجتمع الدولي.

ولما سبق؛ تعبر “لجنة العدالة” عن بالغ قلقها إزاء الأحكام المشددة الصادرة في قضية “التآمر على أمن الدولة” في تونس، معتبرة أن هذه الأحكام تُبرز انحرافًا خطيرًا عن معايير المحاكمة العادلة واستقلال القضاء، كما تؤكد اللجنة على رفضها التام للمسار الذي اتُّبع في هذه المحاكمة، والذي شابته خروقات جسيمة للضمانات الإجرائية الجوهرية، بما في ذلك حرمان المتهمين من حقوقهم الأساسية، مثل؛ التواصل مع محاميهم والحضور الفعلي أمام المحكمة.

وتؤكد اللجنة على ضرورة إعادة النظر في هذه الأحكام أمام جهة قضائية مستقلة ومحايدة تلتزم بمعايير الشفافية والإنصاف. كما طالبت اللجنة بضمان علنية الجلسات، وحضور المتهمين بشكل مباشر، وتمكينهم من حق الدفاع الكامل، وهو ما يشكل العمود الفقري لأي محاكمة عادلة، مع التشديد على أهمية نزاهة القضاء باعتباره حجر الزاوية في أي نظام ديمقراطي، داعية إلى رفع كل أشكال الضغط السياسي عن السلطة القضائية والالتزام بالمبادئ الدستورية المتعلقة بالفصل بين السلطات.

كذلك تشدد “لجنة العدالة” على أن العدالة الحقيقية لا تتحقق من خلال فرض أحكام قاسية أو استخدام النظام القضائي كأداة لقمع المعارضة؛ بل من خلال الإنصاف والشفافية واحترام القانون، وأن استمرار هذه السياسات القمعية يُهدد بتعميق الأزمة السياسية والاجتماعية في البلاد، ويُضعف الثقة بين الشعب التونسي والمؤسسات الحكومية.