قالت “لجنة العدالة” إن سلسلة الانتهاكات الخطيرة التي تشهدها الجزائر مؤخرًا، وتُظهر نمطًا مقلقًا من التجاوزات القضائية وقمع الأصوات المعارضة، واستغلال النصوص القانونية الفضفاضة لإسكات المدافعين عن حقوق الإنسان والنشطاء وأفراد المجتمع المدني، تُثير حالة من القلق البالغ إزاء التدهور المستمر في أوضاع الحقوق السياسية والإنسانية في البلاد.
ففي 1 يونيو 2025، أقدم الناشط المدني فوزي عبد القادر زكوط، على محاولة إضرام النار في نفسه أمام وزارة العدل في الجزائر العاصمة، في واقعة بثّها مباشرة عبر صفحته على فيسبوك. واعتبر “زكوط” أن هذا الفعل شكلاً من أشكال الاحتجاج على ما وصفه بـ “الاضطهاد القضائي الممنهج” من قِبل أحد القضاة بمحكمة فرندة في ولاية تيارت. حيث تعرض “زكوط” للسجن عام 2020 على خلفية حكم صادر عن القاضي نفسه، الذي اتهمه بفبركة التهم وتهديده بالسجن التعسفي لمدة عشر سنوات.
وفي 26 يونيو 2025، أصدرت محكمة الجنايات بالدار البيضاء في الجزائر العاصمة أحكامًا بالسجن على 18 من المسؤولين السابقين في “جبهة الإنقاذ الإسلامية” المحظورة، وذلك بعد احتجازهم لمدة 21 شهرًا قبل النطق بالحكم. وتضمنت التهم “المساس بالوحدة الوطنية” و”استغلال جراح المأساة الوطنية من خلال كتابات وتصريحات تهدد أمن الدولة”. وحُكم على ستة أفراد منهم بالسجن مدة أربع سنوات، وإحدى عشرة آخرين بثلاث سنوات، وشخص واحد بسنتين.
وعلى الرغم من إسقاط تهمة الجناية بموجب المادة 87 مكرر الخاصة بتأسيس تنظيمات محظورة، فقد أُبقي على بقية التهم ذات الطابع السياسي. وكان غالبية المعتقلين قد دخلوا في إضراب عن الطعام منذ نوفمبر 2024 احتجاجًا على طول مدة احتجازهم وتدهور أوضاعهم الصحية.
وفي سياق آخر، مَثُل الشاعر والناشط الجزائري محمد تاجديت، أمام محكمة الدار البيضاء في الجزائر العاصمة بتاريخ 22 يونيو 2025، بتهم تتعلق بـ “التحريض على الإرهاب”، و”دعم تنظيمات إرهابية”، و”نشر محتوى يضر بالمصلحة الوطنية”، على خلفية نشاطه السلمي، بما في ذلك حملته الإلكترونية المعروفة لعام 2024 تحت وسم #JeSuisPasSatisfait. وأثار استخدام مواد قانونية فضفاضة، مثل المواد 87 مكرر و96 و146 من قانون العقوبات، لاتهامه انتقادات واسعة. ورغم حصوله على عفو رئاسي في أكتوبر 2024، أُعيد اعتقاله في يناير 2025 في قضية جديدة، فيما يبدو استمرارًا لنهج الاستهداف القضائي للنشطاء.
كما تتابع “لجنة العدالة” بقلق بالغ قضية الناشط الحقوقي والبيئي الطاهر العربي، الرئيس السابق للرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان بفرع الأبيض سيدي الشيخ، والمحتجز منذ 18 سبتمبر 2024 في سجن عبادلة بولاية بشار. وبدأ “العربي” إضرابًا عن الطعام منذ 21 أبريل 2025؛ احتجاجًا على ظروف احتجازه، وسط تدهور خطير في حالته الصحية، دون أن يتلقى الرعاية الطبية اللازمة حتى الآن.
وتؤكد هذه الحالات المتتالية – وغيرها-، وجود نمط ممنهج من استغلال النصوص القانونية الغامضة والموسعة – خاصة في قانون العقوبات –؛ لقمع الأصوات المعارضة وتقييد المجتمع المدني. وأدّى التوظيف المسيء لقوانين مكافحة الإرهاب لقمع حرية التعبير السلمي إلى إدانات متكررة من قبل الهيئات الدولية المعنية بحقوق الإنسان.
لذا، تُطالب “لجنة العدالة” السلطات الجزائرية بالتحرك الفوري لإطلاق سراح جميع الأفراد الذين تم اعتقالهم نتيجة ممارستهم لحقهم المشروع في حرية التعبير والتجمع السلمي، مشددة على ضرورة ضمان حصول جميع المحتجزين – ومن بينهم الطاهر العربي – على الرعاية الصحية المناسبة ومحاكمة تتوافر فيها معايير العدالة المعترف بها دوليًا.
كما تدعو اللجنة السلطات الجزائرية إلى وقف استخدام قوانين مكافحة الإرهاب كأداة للضغط على النشطاء والمدافعين عن حقوق الإنسان، لما في ذلك من انتهاك لحقوق الإنسان الأساسية وحرية الرأي والنشاط السياسي السلمي. وترى اللجنة أن من الضروري إجراء مراجعة شفافة وشاملة للممارسات القضائية في البلاد، بهدف وضع حد للملاحقات القضائية التي تُتخذ لأسباب سياسية.
كما تحث لجنة العدالة السلطات في الجزائر على الوفاء الكامل بتعهداتها الدولية في مجال حقوق الإنسان، والسعي إلى إنشاء بيئة آمنة ومساندة لممارسة العمل الحقوقي والنشاط المدني، بعيدًا عن مخاطر الانتقام أو الملاحقة الأمنية.