المادة (55) من الدستور المصري: “كل من يقبض عليه أو يحبس أو تقيد حريته؛ تجب معاملته بما يحفظ عليه كرامته، ولا يجوز تعذيبه، ولا ترهيبه، ولا إكراهه، ولا إيذاؤه بدنيًا أو معنويًا، ولا يكون حجزه أو حبسه إلا في أماكن مخصصة لذلك لائقة إنسانيًا وصحيًا…”.
مستجدات الواقع المصري في أكتوبر 2024
في سياق يتسم بتصاعد القلق بشأن أوضاع حقوق الإنسان في مصر، شهد شهر أكتوبر 2024، مجموعة من الأحداث السياسية والقضائية التي أثارت جدلاً واسعًا حول الممارسات المتعلقة بالاحتجاز، المحاكمات والقيود المفروضة على الحريات. وتصاعدت الشكاوى من العسف القانوني والانتهاكات الموثقة من منظمات حقوقية، واستمرار الإجراءات القمعية تجاه النشطاء سياسيين والموظفين الحكوميين والخبراء والصحفيين.
خلال الشهر، ألقت قوات الأمن القبض على الخبير الاقتصادي البارز، عبد الخالق فاروق، من منزله، حيث اقتيد إلى جهة غير معلومة. ووفقًا لما أفادت به زوجته على وسائل التواصل الاجتماعي، لم يتمكن من الحصول على علاجه اللازم، كما لم تُفصح السلطات عن الأسباب القانونية وراء احتجازه. وهذه ليست المرة الأولى التي يتعرض فيها “فاروق” لمثل هذه الإجراءات؛ فقد سبق اعتقاله عام 2018، بعد نشر كتابه “هل مصر فقيرة حقاً؟”، قبل أن يُطلق سراحه لاحقًا.
كما أكمل الصحفي ورسام الكاريكاتير، أشرف عمر، 100 يومًا في الحبس الاحتياطي دون محاكمة، وسط دعوات من 16 منظمة دولية للإفراج عنه. وفي الوقت نفسه، أتمت الدكتورة ليلى سويف، شهرًا من الإضراب عن الطعام للمطالبة بالإفراج عن ابنها علاء عبد الفتاح، الذي انتهت مدة عقوبته بحسب ما أكده محاميه. كما مُنع الناشر والصحفي المعروف والمدافع عن حقوق الإنسان، هشام قاسم، من السفر عبر مطار القاهرة الدولي، أثناء توجهه إلى مدينة سراييفو، عاصمة البوسنة والهرسك، للمشاركة في مؤتمر إقليمي كان من المفترض أن يلقي كلمة خلال جلسته الافتتاحية.
على صعيد آخر، تصاعدت حالات الاختفاء القسري، حيث اعتُقل ستة موظفين على خلفية مشاركتهم في مؤتمر نظمه حزب “المحافظين”؛ لدعم الموظفين المفصولين بموجب قانون تحليل المخدرات، وبعد القبض عليهم فجرًا من منازلهم، أنكرت السلطات مكان وجودهم، قبل أن تبدأ النيابة التحقيق معهم لاحقًا. وهذه الحالات تأتي في ظل مزيد من التضييق على الموظفين الحكوميين المعترضين على قوانين الفصل الجديدة، والذين يواجهون تهمًا جنائية لمجرد تعبيرهم عن آرائهم.
وعلي إثر حادثة دهس أطفال في مركز العياط، التابع لمحافظة الجيزة، أثناء ذهابهم للمدرسة، اعتقلت السلطات أربعة من الأهالي المحتجين بعد تجاهل شكواهم المتكررة من غلق الكوبري الذي يربط غرب القرية بشرقها، حيث توجد المدارس والمستشفيات وكل المصالح الحكومية وعدم إتاحة سبيل للعبور سوى ممر ضيق، وهو ما أودى بحياة الطفلين، وتم احتجازهم لمدة قاربت الأسبوع، قبل أن تخلي غرفة المشورة بمحكمة العياط سبيل اثنين منهم.
كما تكررت حالات اعتقال النشطاء على خلفية التعبير السلمي عن التضامن مع غزة ولبنان في الذكرى الأولى للسابع من أكتوبر، حيث تم اعتقال مجموعة من الشباب أقاموا وقفة تضامنية أعلى كوبري 15 مايو بالقاهرة تعسفيًا، وظلت الاجهزة الأمنية تنكر وجودهم بحوزتها قبل ظهورهم يوم 10 أكتوبر، أمام نيابة قصر النيل، التي باشرت التحقيق معهم، وقررت إخلاء سبيلهم بكفالة خمسة آلاف جنيه، وترحيل أجنبيتان منهم.
على جانب آخر، يتزايد التوتر الإقليمي مع إعلان رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، اكتمال ملء سد النهضة بنسبة 100%، وأن بلاده “ستواجه بحزم أي جهود لتقويض استقرارها”، في خطوة تفاقم النزاع حول المياه بين دول المصب. بينما زعم جيش الاحتلال (الإسرائيلي) اعتراض طائرة مسيرة من الأراضي المصرية، قال إنها كانت تهرب أسلحة، ما يفتح باب التساؤلات حول الأمن الحدودي وتأثيراته.
على صعيد المستجدات القضائية، أصدرت الدائرة الأولي إرهاب بمحكمة أمن الدولة العليا، حكمًا بالإعدام على متهم في القضية 6482/2022 جنايات الشروق، والمعروفة إعلاميًا بـ “خلية ولاية الإسماعيلية”، إلى جانب أحكام بالسجن المؤبد على متهمًا، والمشدد على ثلاث آخرين، وشملت العقوبات إجراءات إضافية، مثل؛ المراقبة الشرطية والإدراج على قوائم الكيانات الإرهابية.
موجز بيانات رصد تحالف المادة 55 للانتهاكات داخل مقار الاحتجاز المصرية أكتوبر 2024
رصدت منظمات تحالف “المادة 55” داخل السجون ومقار الاحتجاز الأخرى في مصر خلال شهر أكتوبر 2024 الانتهاكات التالية:.
خلال الشهر؛ رصدنا وقوع حالتي وفاة داخل السجون ومقار الاحتجاز المصرية. ففي 3 أكتوبر 2024، توفي النقيب العام الأسبق لنقابة الصيادلة، عبد الله زين العابدين، داخل محبسه بسجن بدر، عن عمر ناهز 70 عامًا، وبعد خمس سنوات من احتجازه التعسفي، وذلك جراء الحرمان من الرعاية الصحية وإهمال حالته الحرجة طوال فترة حبسه. وفي 8 أكتوبر، توفي مجدي محمد عبد الله محمود، داخل مستشفى سجن المنيا، عن عمر ناهز 65 عامًا، حيث تعرض لانتهاكات جسدية ونفسية وإصابته بأمراض مزمنة كالسكري وارتفاع ضغط الدم، وكذلك إصابته بجلطات متكررة لم يتم معالجتها مبكرًا.
ورصدت منظمات التحالف أيضًا استغاثة ذوو حسام عبد الرازق، المحتجز في سجن وادي النطرون (تأهيل 2)، والذي يتعرض للترهيب وسوء المعاملة علي يد معاون رئيس مباحث المقر، والذي وجه له تهديدات إثر اعتراضه على حبسه انفراديًا منذ فبراير 2023، وحرمانه من العلاج الطبي والرعاية الصحية، فضلاً عن تعرضه للضرب والإهانة أمام أسرته أثناء الزيارات. ومن سجن برج العرب 2، رصدنا تعرض محمد السيد عبد العال، للضرب المتكرر والحبس في زنزانة انفرادية للشهر الثاني على التوالي، ومنعه من الزيارات والمستلزمات الشخصية الضرورية، وذلك بأمر مباشر من الضابط أحمد البنا، بمساعدة المخبر “الشحات”، ومسير العنبر، ومسير التأديب “عبد العزيز” وآخرين.
وجراء تصاعد حملات التفتيش والتضييق على الزيارات، وتجريد غرف السجناء من احتياجاتهم الأساسية؛ تصاعد غضب محتجزي سجن “بدر 3″، التابع لمركز بدر للإصلاح والتأهيل، وهددوا بتنظيم إضراب جماعي شامل ردًا على سياسات الحصار والتجويع التي تتبعها إدارة المقر تجاههم منذ إنشاؤه. كذلك يستمر ضابط الأمن الوطني، المعروف باسمه الحركي “حمزة المصري”، في ممارساته القمعية تجاه محتجزي سجن برج العرب، والتي تفاقمت خلال الشهر بعد أن قام بمنع المياه النظيفة عن المعتقلين، ما أجبرهم لأيام على شرب مياه ملوثة وغير صالحة من صنابير السجن وسط تردي حالة أغلبهم الصحية جراء ظروف الاحتجاز السيئة، فضلاً عن تقليص مدة الزيارة إلى 10 دقائق فقط، ومنع دخول الكثير من الضروريات التي يجلبها الأهالي للمعتقلين.
خلال الشهر أيضًا؛ أعلنت الأستاذة الجامعية، ليلى سويف، والدة الناشط “علاء عبد الفتاح”، الإضراب الكلي عن الطعام؛ احتجاجًا على التعنت في إطلاق سراح نجلها الذي انتهت مدة حبسه المقررة بحكم قضائي في 29 سبتمبر 2024، قبل أن يرفض النائب العام خصم العامين الذين قضاهما قيد الحبس الاحتياطي من سنوات الحكم بالمخالفة للقانون.
ورصدت منظماتنا استغاثة ذوي رضوى ياسر، المحتجزة تعسفيًا منذ أغسطس 2021، على ذمة القضية 2976/2021، المعروفة إعلاميًا باسم “جروب مطبخنا”، والتي تعاني من تدهور شديد في حالتها الصحية جراء إصابتها بسرطان الثدي، وهو ما يستدعي خضوعها لجلسات العلاج الكيميائي بشكل عاجل وإجراء الجراحات الضرورية للحفاظ على حياتها.
ولكل ما سبق، ترى المنظمات في تحالف “المادة 55″، أن الأوضاع داخل السجون ومقار الاحتجاز ليست بمستغربة، ولا تخرج عن الإطار العام لتعامل السلطات المصرية مع ملف المحتجزين – خاصة السياسيين منهم –، فالأمر ممنهج وليس مجرد خروقات فردية كما تروج له وزارة الداخلية المصرية.
كما أن سياسة الإفلات من العقاب التي تتعامل بها السلطات المصرية مع منتهكي حقوق الإنسان داخل مقار الاحتجاز لديها، هي التي شجعت وغذت تلك الممارسات وعملت على انتشارها، حتى صارت منهج عمل لدى مصلحة السجون المصرية؛ فلم نر أي قيادة أو مسؤول تم عقابه أو حتى تعنيفه رغم الانتهاكات الثابتة والموثقة التي قد تكون خرجت عنه.
لذا تؤكد المنظمات في تحالف “المادة 55” أن تلك الممارسات التي تتم بداخل سجون ومقار الاحتجاز داخل مصر، تثير مخاوف جدية حول مصير المحتجزين، خصوصًا بعد ازدياد أعداد حالات الوفاة داخل مقار الاحتجاز في الفترة الأخيرة، وتردي الأحوال المعيشية بداخلها.
لذا تطالب المنظمات في تحالف “المادة 55” بفتح تحقيق بخصوص تلك الانتهاكات، ومحاسبة المسؤولين عنها وفقًا لصحيح القانون المصري والدولي، مع تطبيق قواعد الأمم المتحدة النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء ولائحة السجون المصرية والتوقف عن مخالفتهما، وتوفير سبل المعيشة التي تليق بإنسانية المحتجزين.
تحالف المادة 55 https://www.facebook.com/Article55egypt
لجنة العدالة – الشهاب لحقوق الإنسان – الشبكة المصرية لحقوق الإنسان