Skip to content

ناجون من السجون مقطوعون من الحياة

أقل من دقيقة مدة القراءة: دقائق

قالت “كوميتي فور جستس” إن السجناء والمحتجزون في السجون ومقار الاحتجاز المصرية يتعرضون لأنماط عديدة من التعذيب الجسدي والنفسي؛ ليس فقط لإجبارهم على الإدلاء باعترافات مزورة، ولكن بغرض الإهانة وتكريس شعورهم بالعجز واليأس والحط من كرامتهم وخصوصيتهم، فضلاً عن تعذيبهم بالخوف المستمر من القتل أو الموت أو الاحتجاز بغرف “التأديب”، التي هي بمثابة “مقابر للأحياء”.

جاء ذلك خلال تقرير جديد للمؤسسة حول التعذيب وآثاره على حياة الناجين من السجون ومقار الاحتجاز المصرية، والذي حمل عنوان “ناجون من السجون: مقطوعون من الحياة”، والذي يأتي في إطار عمل المؤسسة على مشروع “مراقبة أوضاع الاحتجاز” منذ عام 2017، والذي رصدت من خلاله عديدًا من أنماط التعذيب الجسدي والنفسي والجنسي داخل السجون المصرية، مثلت تراكمًا معرفيًا تجاه صدور هذا التقرير.

وأضافت المؤسسة أن التقرير يتطرق لبيان أنماط التعذيب الجسدي والنفسي والجنسي داخل السجون ومقار الاحتجاز، ثم يسرد شهادات لناجين عن محاولات الانتحار المكتملة وغير الناجحة، وأثر تجارب التعذيب تلك والسجن على حياة الناجين، مختتمًا بتوصيات يستخرجها التقرير من واقع الشهادات، ويأمل بها تعديل السياسات الأمنية والإدارية داخل السجون وإعادة النظر في سياسات الرعاية الصحية (النفسية) للسجناء وسياسات إعادة تأهيل الناجين من مؤسسات العقاب وإعادة اندماجهم بالمجتمع.

وأوضحت المؤسسة أن التقرير يهدف إلى دق ناقوس الخطر بشأن تبعات ممارسات وآليات التعذيب النفسي والجسدي داخل السجون ومقار الاحتجاز المصرية، وإبراز آثر التعذيب في التسبب بدفع السجناء لمحاولات الانتحار وفي إصابة ضحايا التعذيب، الذين هم أنفسهم شهودٌ على محاولات انتحار مكتملة وغير ناجحة، بحالة اللامعيارية أو انهيار القيم، وبما يؤدي لفقدانهم الأمل والمعنى والجاذبية المجتمعية والقدرة على التواصل والفاعلية المجتمعية ببيئاتهم بعد خروجهم من السجن.

وفي الوقت ذاته، أشارت “كوميتي فور جستس” إلى أن على الرغم من أن التقرير يؤكد على عدم تعميم النتائج بشأن تأثير تجارب السجن على حياة الناجين من قضبانه، فإنه يقر ما أبرزته دراسات السجون لسنوات من الرابط بين تعرض السجناء لأنماط التعذيب النفسي والجسدي؛ وشعورهم بفقدان الأمل وفقدان المعنى وسوداوية التفكير وصولًا لمحاولات الانتحار، وكذلك التأكيد على أثر العوامل الذاتية والتاريخية في دفع الأفراد- سيما الناجين والمشاركين بالتقرير- بعيدًا عن هذا المصير أو قريبًا منه، وأخيرًا الإضافة إلى دراسات السجون بإجراء المقابلات لا مع السلطات والهيئات المنوطة بالرقابة على مؤسسات العقاب وإنما مع السجناء السابقين (الناجين) أنفسهم للتوصل لأهم الأسباب وممارسات التعذيب التي تدفع نزلاء مؤسسات العقاب المصرية لمحاولات الانتحار.

وبحسب المؤسسة، يستنبط التقرير من سرد شهادات لخمسة من الناجين، وهم شباب بمتوسط العمر (18-35 عامًا)، اثنين من الإناث وثلاث من الذكور، أنماط التعذيب النفسي المستخدمة داخل السجون ومقار الاحتجاز المصرية، والتي منها؛ التعذيب بالإقصاء والعزل “التغريب”، التعذيب الجسدي والإهانة والاعتداء على السلامة النفسية والجنسية للضحايا، وكذلك التعذيب بالتلاعب بالحواس، والتعذيب بالتوتر المستمر، ما يدفع بالضحية إلى الانتحار سواء داخل السجن أو حتى بعد خروجه للمجتمع الخارجي يظل هذا الهاجس يطارده.

ويروي التقرير كذلك شهادات عن محاولات الانتحار داخل السجون، وكان الدافع الأول لها أنماط التعذيب الجسدي والنفسي وجور الأحكام الصادرة بحقهم، لافتًا إلى حالة “فقدان الأمل” التي يعاني منها الضحايا بسبب تداعيات التعذيب الذي تعرضوا له.

وقالت المؤسسة إن التعذيب النفسي والجسدي وشهادات الانتحار الحية داخل السجون ومقار الاحتجاز المصرية أضافت كثيرًا من الدروس لحياة الناجين منها لا سيما درس البقاء بالحياة وعدم الانهزام لأفكار الموت، إلا أن جميع المشاركين أكدوا على الاحتياج المسيس للدعم النفسي والتأهيل الاجتماعي بعد الخروج من السجن، وأن واقع المجتمع والاقتصاد وسياسة سلطات الأمن حتى الآن، مفادها أن الخروج من خلف قضبان السجون ومقار الاحتجاز قد يكون خروجًا إلى سجن آخر من العزلة والافتقار للأمان المادي والاجتماعي والعيش الكريم، وهو عكس ما يروج له النظام المصري الآن من خلال الحوار الوطني الذي يزعم النظام أنه سيؤدي لخروج الآلاف من المعتقلين والمعتقلات من داخل السجون، والأهم تأهيلهم لإعادة إدماجهم في المجتمع وتيسير كل السبل لذلك.

وأوصى التقرير في ختامه بتجريم كافة أشكال التعذيب النفسي والجسدي داخل السجون ومقار الاحتجاز، لا سيما مقار الأمن الوطني وغرف “التأديب” و”الحبس الانفرادي” بالسجون، وخاصة الواقع منها بمناطق الصعيد، والتي يشيع التغريب لها، وتسبب “التأديب” فيها لمقتل السجناء بالجوع أو الغرق أو المرض أو الانتحار.

كذلك أوصت “كوميتي فور جستس” بإعادة تأسيس مفهوم وأدوات وممارسات “التأديب”، لا سيما داخل سجون الصعيد لتوافق المعايير الدنيا لحقوق الانسان في الحياة والماء والطعام والكرامة الإنسانية، مع ضرورة توفير الوصول إلى استشاريين نفسيين داخل السجن أو سجناء مؤهلين للتعامل مع ضحايا التنمر أو “مستمعين” لهم، أو توفير هواتف محمولة للتبليغ عن الاعتداءات، وتيسير تواصل الاسر مع ذويهم وإشراكهم في إدارة عوامل الخطر المفضية للانتحار، وتوفير نقاط أو مراكز الليلة الأولى لدعم السجناء فور وصولهم للسجن ووحدات طبية مؤهلة لمتابعة وعلاج المساجين الذين يتلقون علاجًا نفسيًا.

أيضًا دعت المؤسسة لتجريم عمليات التعذيب الجنسي بحجة تفتيش السجناء وذويهم، ومحاسبة المسؤولين عن وقائع هتك العرض والاعتداء الجنسي بحجة التفتيش.

كما طالبت “كوميتي فور جستس” بمساءلة مسؤولي السجون والاحتجاز القائمين في وقائع معاقبة الضحايا الذين لم تكتمل محاولاتهم للانتحار، مع توفير تدريب ودعم ورقابة لموظفي السجون على توفير الرعاية اللازمة أو الكافية والتواصل مع الحالات المعرضة لبدء أو استكمال محاولات الانتحار والتعامل الفعال معها

أما بالنسبة لشهادات الناجين عن أثر تجارب السجن في حياتهم، أوصى التقرير بمحاربة الوصم الاجتماعي للمفرج عنهم من السجناء والمحتجزين السياسيين، وإعادة تأهيلهم للتوظف والعيش الآمن داخل المجتمع.

أيضًا دعا التقرير لإعادة النظر في سياسات المنع من السفر وسحب وثائق السفر والتعنت بإصدار الأوراق الرسمية والثبوتية لذوي الصحف الجنائية/السياسية، وتمكينهم من مزاولة العمل والسفر والدراسة بالخارج، وتعويض الضحايا عن الأضرار النفسية والاجتماعية والمادية التي لحقت بهم جراء الاعتقال التعسفي والسجن على خلفية قضايا ذات طابع سياسي.

يشار إلى أن منصة “أرشيف مراقبة العدالة” التابع لـ”كوميتي فور جستس” توفر قاعدة معلومات هي الأول والأكبر حول السجون ومقار الاحتجاز في مصر، ما يتيح للباحثين فرصة الحصول على معلومات موثقة بشأن وقائع التعذيب والانتهاكات الأخرى العديدة التي يتعرض لها المحتجزين داخل مقار الاحتجاز في مصر.

لمزيد من المعلومات والطلبات الإعلامية أو الاستفسارات، يرجى التواصل معنا
(0041229403538 / media@cfjustice.org)

آخر الأخبار

اشترك في نشرتنا الإخبارية!

كن أول من يحصل على أحدث منشوراتنا